441
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

قال الفاضل شارح التوحيد :
ذلك إشارة إلى دلالة المتفرّق على المفرّق ، والمؤتلف على المؤلّف ، فالزوجان أعمّ من أن يكونا ضدّين؛ إذ كمال التباين من أنحاء التشاكل ، أو يكونا جنسا وفصلاً ، أو مهيّة ووجودا ، أو إمكانا ووجوبا ، أو قوّة وفعليّة ، أو عقلاً ونفسا ، أو صورةً ومادّةً ، أو ذكرا واُنثى ، إلى غير ذلك من الازدواجات الواقعة بين الأشياء الممكنة ، إذ الممكن زوج تركيبي ، والتركيب مؤذن بالفقر ، واللّه تعالى جعل الممكن كذلك ليتذكّر اُولوا الألباب أنّه سبحانه منزّه عن جميع أنحاء التركيب ، منزّه عن اتّخاذ الصاحبة والشريك . ۱
قوله عليه السلام : «ففرّق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد» .
قال الفاضل شارح كتاب التوحيد :
الباء إمّا للظرفيّة ـ أي فرّق في الأشياء بين قبل وبعد ـ وإمّا للسببيّة، أي بسببها ؛ لأنّها معنى تحقّق القبليّة والبعديّة . والمعنى أنّ اللّه تعالى بسبب إيجاد الموجودات ميّز بين القبل والبعد ؛ إذ لو لم يوجد الأشياء على الترتيب السببي والنظم الطبيعي لم يتحقّق القبليّة والبعديّة ، فتحقّق القبل والبعد إنّما يكون بوجود الأشياء ، أمّا هو سبحانه فهو قبل القبل بلا قبل ؛ بمعنى أنّه موجد القبل في الأشياء ، فلا أثر للقبليّة فيه ، ولذلك دلّت القبليّة والبُعديّة على أنّه سبحانه لا يوصف بهما ؛ إذ فاعل الشيء لا يوصف به ، فكما أنّه موجود لا كالموجودات ، وشيء لا كالأشياء ، فهو قبل لا كالشيء الذي هو بعد ، وكذلك في سائر الأحكام ؛ وهذا هو التوحيد الحقيقي ، فافهم .
وهذا الذي قلنا إنّما هو على ما يكون قبل وبعد في المقامين بمعنى القبليّة والبعديّة، وهو حقّ المعنى . ويُحتمل أن يكون بمعنى الشيء ذي القبليّة والبعديّة ، فالمعنى أنّه فرّق بين المتأخّر والمتأخَّر بأن جعل قبل الثاني ، والثاني بعد الأوّل ليعلم أن لا شيء قبله ولا شيء بعده ؛ إذ لو كان كذلك لزم أن يكون لذلك علّة ، فإن كانت العلّة هو عزّ شأنه فهو المتقدّم ؛ هذا خلف . وإن كان ذلك المتقدّم فهو أولى بالاُلوهيّة ، وإن كانت ثالثا فكذلك ، مع أنّه ثبت بالبراهين انتهاء العلل إليه سبحانه . ۲
قوله عليه السلام : «شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها» .

1.شرح توحيد الصدوق ، ج ۱ ، ص ۱۶۱ .

2.المصدر، ج ۱ ، ص ۱۶۱ ـ ۱۶۲ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
440

بالقوّة الباصرة على ما هو شأن القوى الاُخر ، ولا النجّار على فعل الخيّاط من حيث ملكة النجارة ، وهكذا الأمر في سائر المبادئ بلا تفرقة ، واللّه سبحانه فاعل بالإطلاق ، وفعله مطلق ؛ بمعنى أنّه ليس فيه ـ عزّ شأنه ـ حيثيّة أو جهة هي جهة صدور فعل دون آخر ، وإلّا لكان فيه جهة دون جهة ، وذلك ممتنع ؛ لاستلزام ذلك اختلاف جهاته بالنسبة إلى الأشياء وبالقرب والبُعد والاقتدار وعدمه ، فهو جلّ سلطانه لا يقيّده الأدوات بهذا المعنى ، وأظنّك ما سمعت بهذا التحقيق من غيرنا ؛ ففتّن به . ۱
قوله عليه السلام : «بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له» .
قال الفاضل شارح التوحيد :
هذا وما بعدها من الفقرات إنّما يبتني على قاعدة شريفة وأصل أصيل :
أمّا القاعدة : فهي أنّ الفاعل المستغني بذاته عن كلّ شيء لا يوصف بالشيء المعلول له ؛ إذ الوصف يدلّ على الكمال والوجود كما في الخبر ، فيستكمل هو بخلقه ، وذلك ينافي الغنى الذاتي .
وأمّا الأصل : فهو أنّ فاعل الشيء يجب أن لا يكون فيه شيء من معلوله بأن يكون هو سنخا له ؛ وذلك لأنّ الحقّ في الجعل إنّما هو جعل الطبائع ـ كما هو صريح في قوله : «بتشعيره المشاعر» ـ جعلاً بسيطا حتّى توجد مشاعر ، فجاعل الطبيعة النوعيّة إنّما يجعل جنسها مقيّدا بالفصل ؛ إذ لا وجود له إلّا بذلك الفصل ؛ لأنّه يعيّن الجنس ، فإذا كان ذلك الجنس المعلول حاصلاً في العلّة ، يلزم علّيّة الشيء لنفسه ، ولا مجال هاهنا للقول بأنّه علّة لذلك الجنس في ضمن هذا الفرد ؛ إذ قد قلنا: إنّ المجعول بالذات هو الطبيعة ، والفرد مجعول بالعرض ببراهينَ ليس هنا محلّ ذكرها .
وبالجملة ، لو كان من المعلول سنخ في العلّة ، لزم كون الشيء معلولاً لنفسه ، وذلك ممتنع ؛ فبتشعير اللّه المشاعر وجعله إيّاها عرف العارفون باللّه أن لا مشعر له ، لا جنسه ولا سنخه ، فالعلّة مباينة للمعلول بتمام ذاتها وحقيقتها ؛ وليذهب الحسن يمينا وشمالاً . ۲
قوله عليه السلام : «وذلك قول اللّه عزّوجلّ : «وَمِنْ كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» » ۳ .

1.شرح توحيد الصدوق ، ج ۱ ، ص ۱۵۵ ـ ۱۵۶ .

2.شرح توحيد الصدوق ، ج ۱ ، ص ۱۵۷ ـ ۱۵۸ .

3.الذاريات (۵۱) : ۴۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103680
صفحه از 637
پرینت  ارسال به