قال الفاضل شارح التوحيد :
ذلك إشارة إلى دلالة المتفرّق على المفرّق ، والمؤتلف على المؤلّف ، فالزوجان أعمّ من أن يكونا ضدّين؛ إذ كمال التباين من أنحاء التشاكل ، أو يكونا جنسا وفصلاً ، أو مهيّة ووجودا ، أو إمكانا ووجوبا ، أو قوّة وفعليّة ، أو عقلاً ونفسا ، أو صورةً ومادّةً ، أو ذكرا واُنثى ، إلى غير ذلك من الازدواجات الواقعة بين الأشياء الممكنة ، إذ الممكن زوج تركيبي ، والتركيب مؤذن بالفقر ، واللّه تعالى جعل الممكن كذلك ليتذكّر اُولوا الألباب أنّه سبحانه منزّه عن جميع أنحاء التركيب ، منزّه عن اتّخاذ الصاحبة والشريك . ۱
قوله عليه السلام : «ففرّق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد» .
قال الفاضل شارح كتاب التوحيد :
الباء إمّا للظرفيّة ـ أي فرّق في الأشياء بين قبل وبعد ـ وإمّا للسببيّة، أي بسببها ؛ لأنّها معنى تحقّق القبليّة والبعديّة . والمعنى أنّ اللّه تعالى بسبب إيجاد الموجودات ميّز بين القبل والبعد ؛ إذ لو لم يوجد الأشياء على الترتيب السببي والنظم الطبيعي لم يتحقّق القبليّة والبعديّة ، فتحقّق القبل والبعد إنّما يكون بوجود الأشياء ، أمّا هو سبحانه فهو قبل القبل بلا قبل ؛ بمعنى أنّه موجد القبل في الأشياء ، فلا أثر للقبليّة فيه ، ولذلك دلّت القبليّة والبُعديّة على أنّه سبحانه لا يوصف بهما ؛ إذ فاعل الشيء لا يوصف به ، فكما أنّه موجود لا كالموجودات ، وشيء لا كالأشياء ، فهو قبل لا كالشيء الذي هو بعد ، وكذلك في سائر الأحكام ؛ وهذا هو التوحيد الحقيقي ، فافهم .
وهذا الذي قلنا إنّما هو على ما يكون قبل وبعد في المقامين بمعنى القبليّة والبعديّة، وهو حقّ المعنى . ويُحتمل أن يكون بمعنى الشيء ذي القبليّة والبعديّة ، فالمعنى أنّه فرّق بين المتأخّر والمتأخَّر بأن جعل قبل الثاني ، والثاني بعد الأوّل ليعلم أن لا شيء قبله ولا شيء بعده ؛ إذ لو كان كذلك لزم أن يكون لذلك علّة ، فإن كانت العلّة هو عزّ شأنه فهو المتقدّم ؛ هذا خلف . وإن كان ذلك المتقدّم فهو أولى بالاُلوهيّة ، وإن كانت ثالثا فكذلك ، مع أنّه ثبت بالبراهين انتهاء العلل إليه سبحانه . ۲
قوله عليه السلام : «شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها» .