وزين السماوات والأرض ، وجمال السماوات والأرض ، وعماد السماوات والأرض . وإلى هؤلاء الأجلّاء صدر الخطاب في قوله تعالى : «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيدٌ»۱ ، ولهذا غيّر الاُسلوب عن الغيبة إلى الخطاب ، فهو سبحانه شهيد على التجلّي فيه والظهور ، وليس في قوّة العالم أن يدفع عن نفسه هذا الظاهر فيه ، ولا أن يكون مظهرا ؛ إذ هذا هو معنى الإمكان على التحقيق التامّ ، فلو دفع لكان مسلوبا عن نفسه ولو لم يكن حقيقة العالم الإمكانَ لما قبل نورَ الحقّ وظهورَ آثاره .
وفي النسخ «لِما تجلّي» باللام الجارّة و«ما» المصدريّة ، فيكون متعلّقا بقوله : «دلّت» و«أعربت» والمعنى: أفصحت عن اللّه لأجل تجلّي صانعها للعقول بواسطة هذه الأشياء؛ إذ هي مرايا ظهوره ، وبها احتجب عن الرؤية ، كما أنّ اللّه جلّ جلاله ظهر بالأشياء وفي الأشياء ، كذلك اختفى بها عنها ، وليس ذلك إلّا اعتبارا بالأشياء ، ولذا قيل: بطن ما ظهر .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «لا يجنّه البطون عن الظهور» . ۲
وعن بعض العرفاء : العجب كلُّ العجب أنّه تعالى ما ظهر بشيء من مظاهر أفعاله إلّا وقد احتجب به ، فسبحانه من احتجب بنور ظهوره ، وظهر بإسداله ستره . انتهى .
وقيل في الشعر : «بدت باحتجاب واختفت بمظاهر» .
وقيل أيضا :
لقد ظهرت فلا تخفى على أحدإلّا على أكمهَ لا يعرف القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجباوكيف يعرف مَن بالعرف استترا
هذا الذي قلنا إنّما هو على تقدير أن يكون الضمير في «بها» راجعا إلى «الأشياء» ويُحتمل أن يكون راجعا إلى «العقول» والمعنى : أنّ اللّه تعالى احتجب عن الرؤية بسبب العقول ؛ إذ ما دام الإنسان يعقل نفسه ويثبت وجودا و شيئيّة لذاته ، فهو بعيد عن رؤية اللّه تعالى ، بل عن رؤية ذكر اللّه ، كما قال عزّ شأنه : «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ»۳ .
«وإليه تحاكم الأوهام» أي إنّ تحاكم الأوهام وتنازعها إنّما ينتهي إلى الأشياء ، ولا يصل إلى اللّه سبحانه ؛ إذ الأوهام إنّما تحكم على ما يتصوّره من الأشياء المعروفة عندها ، واللّه