الكثرة التي بها يتميّز عن غيره ، سواء كان ثمّة ما به اشتراك أو لا ، وهذه الأحديّة عبارة عن نسبة كون الشيء متعيّنا في علم الحقّ أزلاً ، فلمّا كشف للعبد بنور الإيمان أحديّةُ كلّ موجود ، علم منها قطعا بأنّ اللّه له أحديّة تخصّه لا كأحديّة غيره ، بل كأحديّةٍ غير عدديّة كما ستقف إن شاء اللّه تعالى ، وإذا كان ضمير «منها» يرجع إلى العقول ، فالمعنى أنّ من العقول السليمة استخرج الدليل على اللّه وصفاته الحسنى وأسمائه العليا .
وبالجملة ، فكما أنّ بالعقول يثبت غيره أي الأشياء ، كذلك من العقول يستخرج للدليل على أن لا إله غيره ، ولا موجود في الحقيقة سواه .
«وبها عرفه الإقرار». وفي أكثر النسخ: «عرّفها» وكأنّه من النسّاخ ، أي وبالأشياء عرف اللّه سبحانه عباده معرفةَ إقرار ، والإقرار هو أن يقرّ أنّ للعالم مبدأً ، وللطبيعة الممكنة التي هي القوّة المحضة مخرجا إلى الفعل ، ولا يشبه شيئا ، ولا يشبهه شيء .
قال بعض أهل المعرفة : أمّا إثبات وجوده فمدرك بضرورة العقل ؛ لوجود ترجيح الممكن بأحد الوجهين ، وأمّا أحديّة الذات فلا يعرف لها مهيّة حتّى يحكم عليها ؛ لأنّها لا تشبه شيئا من العالم ، ولا يشبهها شيء ، فلا يتعرّض العاقل إلى الكلام من ذاته إلّا بخبر من عنده ، ومع إتيان أخباره فإنّا نجهل نسبة ذلك الحكم إليه ، لجهلنا به ، بل نؤمن على ما قاله وعلى ما يعلّمه هو ، فإنّ الدليل لا يقوم إلّا على نفي التشبيه شرعا وعقلاً . انتهى .
وأمّا على نسخة الأصل فهو إنّما يصحّ إذا كان الضمير في «بها» راجعا إلى العقول ، كما هو أحد الاحتمالين ، وضمير «صرفها» إلى الأشياء ، أي وبالعقول يعرف الأشياء معرفة إقرار ، أسند المعرفة إلى الإقرار إشعارا بأنّ غاية ما يتصوّر ـ من معرفة حقائق الأشياء ـ هو الإقرار بأنّ هاهنا أشياءَ ممكنةً ، وإلّا فالظاهر والباطن والأوّل والآخر هو اللّه لا شيء غيره .
«وبالعقول يعتقد التصديق باللّه » أي إنّ عقد التصديق باُلوهيّته ووحدانيّته واستجماعه الكمالاتِ الذاتيّةَ والصفاتيّة إنّما هو بالعقل حسبما فطره اللّه عليه ، والتصديق هو أن يعتقد بأنّ للعالم مبدأً ، ولكلّ شيء مبدأ .
وهذا هو الإقرار به سبحانه، كما أشار إليه عليه السلام بقوله : «وبالإقرار يكمل الإيمان» أي بذلك التصديق الذي قلنا: إنّه الإقرار المحض والمقايسة أنّ صرفه يحصّل الإيمان