447
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الكثرة التي بها يتميّز عن غيره ، سواء كان ثمّة ما به اشتراك أو لا ، وهذه الأحديّة عبارة عن نسبة كون الشيء متعيّنا في علم الحقّ أزلاً ، فلمّا كشف للعبد بنور الإيمان أحديّةُ كلّ موجود ، علم منها قطعا بأنّ اللّه له أحديّة تخصّه لا كأحديّة غيره ، بل كأحديّةٍ غير عدديّة كما ستقف إن شاء اللّه تعالى ، وإذا كان ضمير «منها» يرجع إلى العقول ، فالمعنى أنّ من العقول السليمة استخرج الدليل على اللّه وصفاته الحسنى وأسمائه العليا .
وبالجملة ، فكما أنّ بالعقول يثبت غيره أي الأشياء ، كذلك من العقول يستخرج للدليل على أن لا إله غيره ، ولا موجود في الحقيقة سواه .
«وبها عرفه الإقرار». وفي أكثر النسخ: «عرّفها» وكأنّه من النسّاخ ، أي وبالأشياء عرف اللّه سبحانه عباده معرفةَ إقرار ، والإقرار هو أن يقرّ أنّ للعالم مبدأً ، وللطبيعة الممكنة التي هي القوّة المحضة مخرجا إلى الفعل ، ولا يشبه شيئا ، ولا يشبهه شيء .
قال بعض أهل المعرفة : أمّا إثبات وجوده فمدرك بضرورة العقل ؛ لوجود ترجيح الممكن بأحد الوجهين ، وأمّا أحديّة الذات فلا يعرف لها مهيّة حتّى يحكم عليها ؛ لأنّها لا تشبه شيئا من العالم ، ولا يشبهها شيء ، فلا يتعرّض العاقل إلى الكلام من ذاته إلّا بخبر من عنده ، ومع إتيان أخباره فإنّا نجهل نسبة ذلك الحكم إليه ، لجهلنا به ، بل نؤمن على ما قاله وعلى ما يعلّمه هو ، فإنّ الدليل لا يقوم إلّا على نفي التشبيه شرعا وعقلاً . انتهى .
وأمّا على نسخة الأصل فهو إنّما يصحّ إذا كان الضمير في «بها» راجعا إلى العقول ، كما هو أحد الاحتمالين ، وضمير «صرفها» إلى الأشياء ، أي وبالعقول يعرف الأشياء معرفة إقرار ، أسند المعرفة إلى الإقرار إشعارا بأنّ غاية ما يتصوّر ـ من معرفة حقائق الأشياء ـ هو الإقرار بأنّ هاهنا أشياءَ ممكنةً ، وإلّا فالظاهر والباطن والأوّل والآخر هو اللّه لا شيء غيره .
«وبالعقول يعتقد التصديق باللّه » أي إنّ عقد التصديق باُلوهيّته ووحدانيّته واستجماعه الكمالاتِ الذاتيّةَ والصفاتيّة إنّما هو بالعقل حسبما فطره اللّه عليه ، والتصديق هو أن يعتقد بأنّ للعالم مبدأً ، ولكلّ شيء مبدأ .
وهذا هو الإقرار به سبحانه، كما أشار إليه عليه السلام بقوله : «وبالإقرار يكمل الإيمان» أي بذلك التصديق الذي قلنا: إنّه الإقرار المحض والمقايسة أنّ صرفه يحصّل الإيمان


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
446

أعظم من أن يوصف بها ، فكلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مثلكم مردود إليكم ، فالقابل بالبيّنة مع امتناعها في نفسها إنّما يحكم حسب ما يتصوّره ، وكذا القابل بالرحمة إنّما يثبت له ما يثبت لنفسه ؛ فتعالى اللّه عمّا يشركون .
ويُحتمل أن يعود الضمير إلى المفعول ، أي إنّ تنازع الأوهام والتخيّلات إنّما تنتهي إلى العقول ؛ إذ الوهم إنّما يكون في حكم العقل وتحت سلطانه ، فكلّ ما يدركه الوهم من الأشياء فإنّما يوصلها إلى العقل ، والعقل عاجز من إدراكه سبحانه ، فكيف حال الوهم .
«وفيها أثبت غيره» أي في الأشياء ما يدّعي إثباتَ غير اللّه حيث يزعمون أنّها على شيء ، وليسوا يدرون أنّها لا شيء محض وأعدام صرفة ، وإنّما هي مظاهر أنوار اُلوهيّة ، ومجالُ أحكام ربوبيّة ، ولا يملكون لأنفسهم ضرّا ولا نَفْعا ولا حياةً ولا نُشُورا ، ۱ فإثبات الغير هو إسناد أمر من الاُمور إلى شيء غير اللّه ، وغير حوله وقوّته ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .
ويمكن أن يكون المراد أنّ في النظر إلى الأشياء وتنقّلات أحوالها وتطوّرات أوضاعها أثبت أنّها غير اللّه ؛ إذ خالقها منزّه عن أوصافها ، ولا يكون مثلَها . وهذه العبارة كنظائرها يحتمل أن يكون ضمير «فيها» يرجع إلى العقول [أي ]إنّ في العقول أثبت غير اللّه ؛ وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما : أنّ كلّ ما يحصل في العقل ويتوهّم أنّه هو اللّه ، فهو غير اللّه ، كما في الخبر : «كلّ ما ميّزتموه في أدقّ معانيه مخلوق مثلكم» . ۲
والثاني : أنّ في العقول أنّ هنا أشياءَ غيرَ اللّه ومنها أنبط الدليل . في القاموس: «كلّ ما اُظهر بعد خفاء، فقد اُنبط، واستُنبط مجهولين» ۳ انتهى . أي ومن الأشياء استخرج الدليل على وجوده سبحانه ووحدته وسائر صفاته الحسنى وتقدّسه عمّا لا يليق بجناب الكبرياء .

ففي كلّ شيء له آيةتدلّ على أنّه واحد
قيل: هذه الآية هي أحديّة كلّ موجود ، سواء كان واحدا أو كثيرا ؛ فإنّ الكثير أحديّة

1.إشارة إلى الآية ۳ من سورة الفرقان (۲۵).

2.راجع : بحار الأنوار ، ج ۶۹ ، ص ۲۹۲ .

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۷۸ (نبط).

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103528
صفحه از 637
پرینت  ارسال به