وسبق في باب صفات الذات أنّ اللّه تعالى كان عالما ولا معلوم، 1 وبيّنّا أنّه لم يكن المعلوم موجودا ، لا وجودا عينيّا ولا ارتساميّا ظلّيا ، بل كان ثابتا ثبوتا متعاليا عن أن يصل إليه وهم ، وأشبه ما يُقال في مقام التعبير والتفهيم ثبوت الانتزاعيّات للمنتزع منه قبل أن ينتزعها منتزع ، وتلك المعلومات الثابتة له تعالى ـ التي لم تشمّ رائحة الوجود بعدُ بوجه لا الوجود العيني ولا الارتساميّ الظلّي ـ ذوات ممكنة وصفاتها اللازمة والمفارقة وأحوال كلّ منها ـ إذا اُخذ مع المقارنات وما ينتزع من الصفات وصفات الصفات وهلمّ جرّا ، بل ما لا هويّة له إلّا بنحو من المقايسة والاعتبار بما له هويّة ـ كالممتنعات بالذات ، والجميع قد انكشف في الأزل بجميع شؤونه واعتباراته التي تتبع وجوده العيني على فرض وجوده للذات الأقدس الواحد الأحد المنكشف لنفسه بكنهه الذي لا يعلمه إلّا هو ، وبما هو تحت قدرته الكاملة التي لا يمتنع منها شيء، وليس بينه تعالى وبين تلك المعلومات علم غيره ، كما نصّ عليه أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نقلها الصدوق ـ طاب ثراه ـ في كتاب التوحيد ، ونقلها عنه في باب صفات الذات وانكشاف تلك الأشياء في الأزل للذات الأقدس المنكشف لنفسه علمه بها 2 ، وهو المعنيُّ ب «علم» في قول العالم عليه السلام في تعداد الخصال .
ثمّ إنّ تلك المعلومات قسمان :
قسمٌ لا يستحقّ بوجهٍ من الوجوه فيضانَ الوجود عليه من منبع الكرم والجود ؛ لكونه منافيا لملك الملك على الإطلاق وعزّ جلاله وعظمته وسلطانه ، فهو في مضيق العدم ، ومحبس الليس بالحبس المؤبّد .
وقسم يستحقّ الوجود بوجه فهو ، من حيث ذلك الوجه ممّا يصل إليه ذوو العقول ويشاؤونه ، وجناب الأقدس ـ تعالى شأنه ـ مقدّس عن الميلان ، فمجرّد علمه تعالى بأنّه يستحقّ الوجود مشيّته الحتميّة التي لا يمكن أن يقع شيء على خلافها ، سواء كان اختيارا من مختار ، أو فعلاً اختياريّا أو غير اختياريّ ، قال اللّه تعالى : «وَمَا