453
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وسبق في باب صفات الذات أنّ اللّه تعالى كان عالما ولا معلوم، 1 وبيّنّا أنّه لم يكن المعلوم موجودا ، لا وجودا عينيّا ولا ارتساميّا ظلّيا ، بل كان ثابتا ثبوتا متعاليا عن أن يصل إليه وهم ، وأشبه ما يُقال في مقام التعبير والتفهيم ثبوت الانتزاعيّات للمنتزع منه قبل أن ينتزعها منتزع ، وتلك المعلومات الثابتة له تعالى ـ التي لم تشمّ رائحة الوجود بعدُ بوجه لا الوجود العيني ولا الارتساميّ الظلّي ـ ذوات ممكنة وصفاتها اللازمة والمفارقة وأحوال كلّ منها ـ إذا اُخذ مع المقارنات وما ينتزع من الصفات وصفات الصفات وهلمّ جرّا ، بل ما لا هويّة له إلّا بنحو من المقايسة والاعتبار بما له هويّة ـ كالممتنعات بالذات ، والجميع قد انكشف في الأزل بجميع شؤونه واعتباراته التي تتبع وجوده العيني على فرض وجوده للذات الأقدس الواحد الأحد المنكشف لنفسه بكنهه الذي لا يعلمه إلّا هو ، وبما هو تحت قدرته الكاملة التي لا يمتنع منها شيء، وليس بينه تعالى وبين تلك المعلومات علم غيره ، كما نصّ عليه أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نقلها الصدوق ـ طاب ثراه ـ في كتاب التوحيد ، ونقلها عنه في باب صفات الذات وانكشاف تلك الأشياء في الأزل للذات الأقدس المنكشف لنفسه علمه بها 2 ، وهو المعنيُّ ب «علم» في قول العالم عليه السلام في تعداد الخصال .
ثمّ إنّ تلك المعلومات قسمان :
قسمٌ لا يستحقّ بوجهٍ من الوجوه فيضانَ الوجود عليه من منبع الكرم والجود ؛ لكونه منافيا لملك الملك على الإطلاق وعزّ جلاله وعظمته وسلطانه ، فهو في مضيق العدم ، ومحبس الليس بالحبس المؤبّد .
وقسم يستحقّ الوجود بوجه فهو ، من حيث ذلك الوجه ممّا يصل إليه ذوو العقول ويشاؤونه ، وجناب الأقدس ـ تعالى شأنه ـ مقدّس عن الميلان ، فمجرّد علمه تعالى بأنّه يستحقّ الوجود مشيّته الحتميّة التي لا يمكن أن يقع شيء على خلافها ، سواء كان اختيارا من مختار ، أو فعلاً اختياريّا أو غير اختياريّ ، قال اللّه تعالى : «وَمَا

1.راجع : الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۰۷ ، ح ۱ .

2.راجع: التوحيد ، ص ۷۲ ، ح ۲۷ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
452

الكلام . ويحتمل كونه من الكلام المستأنف وتعلّقه بما بعده ، والمعنى : أنّ هذه الأشياءَ المحدثة للّه فيها البداء قبل وقوع أعيانها ، فإذا وقع العين فلا بداء .
وقوله : «فبالعلم علم الأشياء قبل كونها» وحصولها . وأصل العلم غير مرتبط بنحو من الحصول للمعلوم ، ولو في غيره بصورته المتجدّدة ، ولا يوجب نفس العلم والانكشاف ـ بما هو علم وانكشاف للأشياء ـ إنشاءها وبالمشيّة ومعرفتها بصفاتها وحدودها أنشأها إنشاءً قبل الإظهار والإدخال في الوجود العيني ، وبالإرادة وتحريك الأسباب نحو وجودها العيني ميّز بعضها عن بعض بتخصيص تحريك الأسباب نحو وجود بعض دون بعض ، وبالتقدير قدّرها وعيّن وحدة أقواتها وأوقاتها وآجالها، وبالقضاء وإيجابها بموجباتها أظهر للناس أماكنها ، ودلّهم عليها بدلائلها ، فاهتدوا إلى العلم بوجودها حسب ما يوجبه الموجب بعد العلم بالموجب ، وبالإمضاء والإيجاد أوضح تفسير عللها «وأبان أمرها» بأعيانها «وذلك تقدير العزيز العليم» . فبالعليم أشار إلى مرتبة أصل العليم ، وبالعزيز إلى مرتبة المشيّة والإرادة ، وبإضافة التقدير إلى العزيز العليم إلى تأخّره عن العزّ بالمشيّة والإرادة للقادر اللتين يغلب بهما على جميع الأشياء، ولا يغلبه فيهما أحدٌ ممّا سواه ، وبتوسّط العزّ بين التقدير والعلم إلى تأخّره عن مرتبة العلم ، وتقدّمُ مرتبة العلم عليه كتقدّمه على التقدير . ۱
انتهى كلام السيّد قدس سره .
وأنا أقول : قد تظاهرت وتعاضدت الأدلّة العقليّة والنقليّة على أنّ اللّه تعالى كان ولا شيء معه، لا من جنس الذوات، ولا من جنس الصفات ، والآنَ كما كان .
روى الصدوق رضى الله عنه في التوحيد عن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق أيضا قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن عليّ بن عبّاس ، عن حسين بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهماالسلام أنّه قال : «إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ كان لم يزل بلا زمان ولا مكان ، وهو الآنَ كما كان ؛ لا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يحلّ في مكان» الحديث . ۲

1.الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيعا ، ص ۴۸۱ ـ ۴۸۳ .

2.التوحيد ، ص ۱۷۸ ، ح ۱۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127451
صفحه از 637
پرینت  ارسال به