457
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الوجود على ذلك الوجه ، وأنّ ما تراءى أنّه سبب له أو يتأدّى إليه لم يستحقّ الوجود على ذلك ، فوجود ما وجد وعدمُ ما لم يوجد كلاهما كانا قد تعيّنا في الأزل لدى الحكيم العليم ، وبالإفاضة منه تعالى وعدم الإفاضة صار إحداهما موجودا ، وبقي الآخر معدوما .
فمرجع بداء اللّه تعالى إلى إيجاد أمر حسب ما يستحقّ الوجود صرفه عن مجرى العادة لمصلحة هو أعلم بها ، وربما يظهرها للعباد ، وهذا يشبه البداء اللغوي في أنّهما يشتركان في أنّ الفاعل ترك ما كان مقصودا عاديّا من فعله بترك الفعل أو إبراز مقصود آخر لأجل مصلحة ، ويفترقان في أنّ أحدهما عن علم سابق أزليّ بتلك المصلحة، والآخر عن علمٍ حادث في أثناء الفعل ، وقد سبق عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه «ما بدا للّه في شيء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له» . ۱
وعنه عليه السلام أنّه قال : «إنّ اللّه لم يَبْدُ له من جهل» ۲ وقال تعالى : «يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»۳ ، وقال تعالى : «اللّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْما»۴ .
في القاموس : «تنزّل : نزل على مهلة» . ۵
وما أشبه بذلك في انسياق الحكم على وجه التدرّج إلى حدّ الإمضاء دفاترُ ملوك الدنيا، وكان ما في عالم الملك احتذاءً بما في عالم الملكوت ، ولعلّ العلم بالنظام الأعلى الذي هو المجموع بما هو مجموع الكتابُ المبين الذي ما من ورقة تسقط ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلّا فيه ، وهو اُمّ الكتاب الذي عند اللّه تعالى، والإمكان لوح المحو والإثبات .
فإن قلت : ما وجه الحثّ على الكلام في البداء؟ وما الغرض في أخذ الميثاق على النبيّين بالإقرار بالبداء؟

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۴۸ ، باب البداء ، ح ۹ .

2.المصدر ، ح ۱۰ .

3.الرعد (۱۳) : ۳۹ .

4.الطلاق (۶۵) : ۱۲ .

5.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۵۶ (نزل) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
456

المتعلّق ، ويُحتمل أن يكون المراد بها تسبيبَ الأسباب الخارجيّة في عالَم غير عالم الحسّ ، إلّا أنّ تلك الأسباب لابدّ أن تستند بالأخرة إلى اعتبارات في العلم ؛ والعلم عند اللّه .
فإن قلت : كيف يجمع القول بإمكان وقوع البداء فيما عدا الإمضاء مع القول بعدم تخلّف الكون والوجود عمّا شاء اللّه على الوجه الذي شاء؟
قلت : لا تدافع بينهما بعد تحقيق معنى البداء ، فاعلم أنّ عندنا ما نعلم بالعلم العادي؛ إذ يتأدّى إلى وجود شيء كإمرار السكّين المشحوذة ۱ على قوّة بالحلق المتأدّى إلى إزهاق الروح ، وإلقاء ذوي الروح في أتُّونٍ ۲ مشتعل أشدَّ الاشتعال المتأدّى إلى الاحتراق ، فبحسب ما يعدّ من الشرائط العاديّة الظاهرة ، فعلم بمقتضى أخبار الصادقين عليهم السلام تحقّق الشرائط الباطنة في الواقع ـ أعني الخصال السبع ـ ونحكم باقتراب وجود ذلك الشيء ، حتّى إذا تواتر علينا تحقّق تمام الشرائط العاديّة الظاهرة ، علمنا علما عاديّا بوجوده ، وحكمنا بتحقّق جميع تلك الخصال ، وربما نرى العادة قد انخرقت ولم يترتّب الوجود على الأسباب الظاهرة مع تمامها ، أو انقطعت وما تأدت ، فيقال : «بدا للّه فيه» ولا يريد بذلك العارفون بأمر اللّه معناه اللغويَ ، لعلمهم بتعاليه عن أن يظهر له أمر كان مخفيّا عليه فيتغيّرَ رأيه ، بل يقولون ذلك على ضرب من التوسّع .
بيان ذلك: أنّه قد سبق أنّ اللّه تعالى علم في معلوماته جميع ما استحقّ الوجود على وجه مخصوص ، فهو على ذلك الوجه لازم الوجود ؛ إذ الجود المطلق لا يستدعي سوى الاستحقاق ، فما استحقّ الوجود بوجه فهو يوجَد على ذلك الوجه لا محالة ، وما لم يستحقّ لا يوجَد أبدا ، فما دخل في الوجود في عالم الحسّ أو غير الحسّ من لفظ أو كتابة ونقش من قِبل اللّه أنّه يكون كذا وكذا في وقت كذا، وهو في علم اللّه تعالى ممّا لا يكون ، أو وجد ما يتراءى أنّه سبب لوجود شيء، أو متأدّ إلى وجود شيء ، ولم يترتّب عليه وجود ذلك انقطعت الوسائط ، وما تأدّت فقد علم اللّه تعالى في الأزل أنّه استحقّ

1.شحَذ السكينَ والسيفَ : أحَدَّه بالمِسَنِّ وغيره مما يُخرج حَدَّه . لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۴۹۳ (شحذ) .

2.الأتُّون : الموقِد . لسان العرب ، ج ۱۳ ، ص ۷ (أتن) .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127006
صفحه از 637
پرینت  ارسال به