الوجود على ذلك الوجه ، وأنّ ما تراءى أنّه سبب له أو يتأدّى إليه لم يستحقّ الوجود على ذلك ، فوجود ما وجد وعدمُ ما لم يوجد كلاهما كانا قد تعيّنا في الأزل لدى الحكيم العليم ، وبالإفاضة منه تعالى وعدم الإفاضة صار إحداهما موجودا ، وبقي الآخر معدوما .
فمرجع بداء اللّه تعالى إلى إيجاد أمر حسب ما يستحقّ الوجود صرفه عن مجرى العادة لمصلحة هو أعلم بها ، وربما يظهرها للعباد ، وهذا يشبه البداء اللغوي في أنّهما يشتركان في أنّ الفاعل ترك ما كان مقصودا عاديّا من فعله بترك الفعل أو إبراز مقصود آخر لأجل مصلحة ، ويفترقان في أنّ أحدهما عن علم سابق أزليّ بتلك المصلحة، والآخر عن علمٍ حادث في أثناء الفعل ، وقد سبق عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه «ما بدا للّه في شيء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له» . ۱
وعنه عليه السلام أنّه قال : «إنّ اللّه لم يَبْدُ له من جهل» ۲ وقال تعالى : «يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»۳ ، وقال تعالى : «اللّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْما»۴ .
في القاموس : «تنزّل : نزل على مهلة» . ۵
وما أشبه بذلك في انسياق الحكم على وجه التدرّج إلى حدّ الإمضاء دفاترُ ملوك الدنيا، وكان ما في عالم الملك احتذاءً بما في عالم الملكوت ، ولعلّ العلم بالنظام الأعلى الذي هو المجموع بما هو مجموع الكتابُ المبين الذي ما من ورقة تسقط ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلّا فيه ، وهو اُمّ الكتاب الذي عند اللّه تعالى، والإمكان لوح المحو والإثبات .
فإن قلت : ما وجه الحثّ على الكلام في البداء؟ وما الغرض في أخذ الميثاق على النبيّين بالإقرار بالبداء؟