461
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وحَتَمَهُ على سبيل الاختيار» الحديث . ۱
أقول : بيان حتم اللّه تعالى فعلاً على سبيل اختيار العبد إيّاه ، المستلزمِ لأن لم يكن ألزم عليه ما لا يريده، بل يريد خلافه، أنّه قد كان في سابق علم اللّه تعالى أنّ من الممكن ما هو باعتبار خصوصيّته الممتاز بها عن سائر الممكنات ، بحيث إن رأى امرأة جميلة ذات بعل في مكان لم يكن هناك مانع بوجه ، ولو كان وجود من يستحيي منه أو احتمال اطّلاع من يتضرّر به ، انبعث من ذاته باعتبار ما لها من الخصوصيّة المذكورة شوق وإرادة بالغة حدَّ الإجماع لغشيانها ، ولا شكّ أنّ لتحقّق كلٍّ من هذه الشروط سببا؛ لبطلان البخت والاتّفاق ، وللسبب سبب ، ولا يرتقي إلى ما لا يتناهى ، وليس للممكنات مبدأ سوى اللّه تعالى ، فالكلّ تحت تدبيره وتقديره ؛ فوقوع الغشيان من ذلك الممكن بإرادته وشوقه كاشف عن تنزّل الأسباب والشرائط ـ الاختياري منها وغير الاختياري ـ بإذن ربّها المدبِّر الحكيم القادر القاهر ، وانتهائها إلى غشيان الفاعل بشوق وإرادة كانت كامنةً في نفسه ، فهاجت من ذاته حين ما استكملت شرائط الهيجان .
وكذا كاشف عن أنّ في إيجاد الممكن المفروض وتيسير شرائط ما يستدعيه بلسان خصوصيّته حكمة لا يعلمها غير الموجد الحكيم الذي أوجده بعلم وإرادة؛ لامتناع الجهل والاضطرار .
فليس له أن يقول : لِمَ كنت في علم اللّه ممكنا خاصّا بالخصوصيّة المذكورة وما كنت ممكنا آخر ؟ ولمَ كنت مقدورا من مقدوراته ؟ ولِمَ خلقني اللّه ؟ ولعلّ اللّه لم يعلم ما ينتهي إليه أمري ، أو كان مضطرّا في خلقي ؟ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، بل للّه الحجّة البالغة ، وحجّتهم داحضة عند ربّهم . هذا بيان حتم اللّه تعالى للفعل على سبيل الاختيار من العبد . «فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ» . ۲
هذا ، وقد يطلق إرادة الحتم وقضاء الحتم على جبر اللّه تعالى للعبد وإكراهه إيّاه

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۶۱ ، ح ۴ .

2.يس (۳۶) : ۸۳ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
460

الإحداث ـ وهما المشيّة الحادثة ، أو العلم باستحقاق الوجود وهو المشيّة القديمة التي هي عين الذات ـ فلا منافاة بين شاء وأراد ولم يحبّ ؛ إذ كلّ ما وجد فهو مستحقّ للوجود ، وإيجاده وإحداثه إنّما هو بيد خالق كلّ شيء ، مؤمنا كان أو كافرا ، مطيعا كان أو عاصيا ، وليست الإثابة شاملة للجميع . ولمّا لم يكن للسائل أهليّة أن يشرح له ، قال عليه السلام : «هكذا خرج إلينا» .
قوله : (إرادةَ حَتْمٍ ، وَإرادةَ عَزْمٍ) . [ح ۴ / ۳۹۰]
إرادة اللّه الحتميّة الذاتيّة القديمة مرجعها إلى العلم باستحقاق الوجود على الوجه المخصوص ، والفعليّة الحادثة تهيئة جميع أسباب تحقّق الفعل أو الترك ، فإن كان المراد نفس الاختيار ، فإرادته الفعليّة توجيه ما يعلم أنّ العبد معه يهيج اختياره للشيء الخاصّ ، وإن كان اختياريّا ـ أي أمرا من جملة أسباب تحقّقه إرادة العبد واختياره ـ فتيسير جميع ما يعلم أنّ العبد يتوصّل به إلى المختار .
فظهر بهذا البيان أنّ كلّ ما هو في حيطة التحقّق فبإرادة اللّه الحتميّة ، ولا ينافي ذلك أن يكون لإرادة العبد مدخل فيه .
وكلام سيّد الساجدين عليه السلام حيث قال في دعاء يوم الأضحى والجمعة : «ابْتَزّوها ـ يعني الإمامة والخلافة ـ وأنت المُقَدِّرُ لذلك ، لا يخالف ۱ أمرُك ، ولا يُجاوَزُ المحتومُ مِنْ تَدْبِيرِك ، كيف شئتَ وأنّى شئتَ» ۲ ناظر إلى هذا المعنى .
وسيجيء في كتاب الحجّة في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون : فقال له حُمرانُ : جُعلتُ فداك ، أرأيتَ ما كان من أمر قيام عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين اللّه ـ عزّ ذكره ـ وما اُصيبوا من قَتْلِ الطواغيتِ إيّاهم والظَّفَر بهم حتّى قُتِلوا وغُلِبُوا؟
فقال أبو جعفر عليه السلام : «يا حُمرانُ ، إنّ اللّه تعالى قد كانَ قَدَّرَ ذلك عليهم وقَضاه وأمضاه

1.في المصدر : «لايغالب» .

2.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۲۳۴ ، الدعاء ۴۸ ؛ رجال الكشّي ، ص ۳۸۱ ، ح ۷۱۵ ؛ مصباح المتهجّد ، ص ۳۷۱ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103661
صفحه از 637
پرینت  ارسال به