463
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

اللّه العزميّةَ التكليفيّةَ ، فهي إنّما صارت مغلوبةً لمشيّة إبراهيم ـ أي تحقّق متعلّق هذه دون متعلّق تلك ـ من جهة المشيّة الاُخرى الحتميّة ، فمثل هذه المغلوبيّةً ليست مغلوبيّة منافية لسلطان اللّه تعالى ، بل هي محقّقة له .
وكذا الأمر في نهي آدم ومخالفته ؛ فبطل قول المفوّضة الزاعمين للاستقلال بعد الإقدار بتوهّم أنّه لولاه لما غلب مشيّة العاصي مشيّةَ اللّه ، فسبحان الذي لا رادّ لمشيّته ، ولا معقّب لحكمه ، ولا حول ولا قوّة إلّا به ، له الخلق والأمر، وإليه يرجع الأمر كلّه .
وهذا الحلّ قد يسّر اللّه تعالى بمعونة مفاوَضَة بعض الألبّاء المشتغلين إليّ ، ولعمري إنّ هذا الحديث الشريف وأمثاله من الآيات البيّنات على إمامة أئمّتنا عليهم السلام وغزارة علمهم ، والعجب ممّن عدّها من المتشابهات وممّن حملها على التقيّة ، زاعما أنّها موافقة لمذهب الأشعريّة ، كلّا إن هو إلّا كذبٌ مفترى ، فتدبّر وتبصّر ، ثمّ كُن للّه من الشاكرين .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
462

على طاعة أو معصية ، وهذه هي المنفيّة في الأخبار .
وأمّا إرادة العزم فهي الطلب التكليفي ، أعمّ من أن تجري الإرادة الحتميّة على وفقها أو على خلافها ، وإرادة العاصي تغلب هذه الإرادة إن جرت الإرادة الحتميّة على الغلبة؛ إذ لولا توجيه اللّه تعالى إلى العبد ما يعلم هيجان إرادته معه وتيسير أسباب مخالفة ذلك الطلب ، لما وقعت المخالفة .
إذا عرفت هذا فقوله عليه السلام : (نهى آدمَ وزوجَتَه أن يأكُلا من الشجرةِ وشاءَ ذلك) [ح 4 / 390 ]المقصودُ ذكر مثال لإرادة عزميّة جرت الحتميّة على خلافها ، وبيان أنّ غلبة مشيّتهما على مشيّة اللّه العزميّة ـ وهي في المثال المذكور النهي عن الأكل ـ إنّما هي بمعونة تلك المشيّة الحتميّة المتعلّقة بالأكل ، وإلّا لما حصلت الغلبة ؛ إذ ليس العبد ـ وإن اُعطي القدرةَ التي نسبتها إلى الفعل والترك سواء ـ مفوّضا إليه في أمر الإرادة ، بأن لا يشترط هيجانها من نفسه بتوجيه اللّه ما تهيّج به ، فإذن لا يكون الأمر كما قال اللّه تعالى : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ»۱ ، بل يكون العبد مستقلّاً بعد إقدار اللّه تعالى بالإرادة كلاّ، وليس تهيئة الأسباب مُلجئا للعبد مضطرّا له ، بل هي شرط لهيجان الإرادة ، والشرط ليس بملزِم ومؤثّر ، بل المؤثّر هو الذات المعيّن المخصوص الذي علم اللّه في الأزل أنّه يريد الفعل مع شرط كذا ، فالعبد من حيث إنّه هو المريد بدون الإلزام والإجبار، فليس بمجبور ، ومن حيث إنّه ليس بمجرّد الإقدار مستقلّاً ، بل إنّما يشاء بالفعل ، ويفعل ما يشاء بإرادة اللّه ومشيّته التي هي التوجيه والتيسير المذكوران ، فليس بمفوّض إليه ، فالأمر بين الأمرين . وقد قلت في المثنوي الموسوم ب «نان وپنير» (نظم) :

امر و نهىِ عقلى و شرعى ز ربشرط فعل اين و آن دان ، نه سبب
شرط اصلاً موجب مشروط نيستليك از بهر وجودش بودنى است
گر نيابد بارش عام از سمااز زمين كى رويد اقسام گيا
گل بفيض عام رويد از زمينليك اين باشد چنان و آن چنين
اين يكى خارست و آن يك گل به ذاتهر يكى دارد ز ذات خود صفات
سنبل و گل بهر بوييدن خرندخار و خس را بهر تون تابى برند
بارش اين ها چنين حالات داديا به بارش حال ذات از وى بزاد
گرنكردى فهم ، بگذر زين مقالخويش را باطل مگردان در جدال
وأمّا قوله عليه السلام : (أمَرَ إبراهيمَ) .
بيان ذلك يتوقّف على تمهيد مقدّمة هي أنّ إرادة العبد ومشيّته قد تطلق على حالة بها يترجّح أحد الطرفين على الآخر ، وهي المعبّر عنها بين العلماء بالإجماع ، ويجب وقوع متعلّقها إذا طاوعت الآلة وارتفعت الموانع ، وربما يعبّر عن إرادة ترك الفعل بعدم الإرادة ، كما في رواية عبداللّه بن سنان السابقة عن أبي عبداللّه عليه السلام حيث قال أوّلاً: «أمر اللّه ولم يشأ» ثمّ قال : «أمر إبليس أن يسجد لآدم ، وشاء أن لا يسجد» الحديث . ۲
ولا يتحقّق من العبد اختياري ـ فعلاً كان أو تركا ـ إلّا وهو مسبوق بهذه الإرادة ، أعني الإجماع .
وقد تطلق على كون العبد بالنسبة إلى فعل أو ترك بحيث لو خُلّي وطبعَه لأراده بالمعنى الأوّل ، وسيأتي مثاله ، وربّما يعبّر عن إرادة ترك الفعل بعدم إرادته، وبكراهته أيضا ، وقد يكون فعل شيء مرادا بالإرادة بالمعنى الأوّل كشرب الخمر بأمر السلطان ، وقد يكون الفعل مرادا بالإرادتين كالشرب بطوع النفس .
إذا تمهّد هذا ، فنقول : إنّ إبراهيم عليه السلام كان شائيا ومريدا بالإرادة بالمعنى الثاني بمقتضى البشريّة عدمَ ذبح ابنه ، وإن أراد الذبح بالمعنى الأوّل ؛ لوقوع الأمر ، واللّه تعالى كان شائيا للذبح مشيّةَ عزم ، أي كان آمرا به ، ومقصود الإمام عليه السلام أنّ غلبة مشيّة إبراهيم عليه السلام الطبيعيّة على مشيّة اللّه هذه بمعنى تحقّق مقتضاها ـ وهو عدم تحقّق الذبح ـ دون مقتضى مشيّة اللّه هذه ـ وهو تحقّق الذبح ـ إنّما هي بسبب أنّه كان للّه تعالى مشيّة اُخرى حتميّة اقتضت عدم وقوع الذبح ، ولولا تلك لما غلبت مشيّة إبراهيم عليه السلام الطبيعيّةُ مشيّة

1.الإنسان (۷۶) : ۳۰ .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۵۰ ، باب المشيئة والإرادة ، ح ۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103589
صفحه از 637
پرینت  ارسال به