471
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

بقدر الإمكان ، كما يُفعل ذلك بالذهب والفضّة ، ويعبّر عن ذلك أهل الصناعة بالوضع في الخلاص ، وإذ اُورد على المحبّ بلاء يستدلّ بذلك على أنّ المحبوب في مقام تصفيته فيبتلاه بذلك ، وللمحبّ حرقة اُخرى لازمة للمحبّة ليس شيء في الدنيا والآخرة ألذَّ منها ، بل بها حياته وبفقدها مماته ، يعرف ذلك معرفةً ضعيفةً من ابتُلي بالعشق ، وفتنته مدرة خولطت بدم وبلغم وتناسبت أجزاؤها ، وكان ممّن انفكّت رقبته عن أسر الشهوة البهيميّة ، فهو كالظمآن تراءى له من بُعد سرابٌ بِقيعةٍ ، فحسبه ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا . وإلى تلك الحرقة اللذيذة أشار العطّار وتمنّاها حيث قال في منطق الطير :

هركه را خوش نيست دل با درد توخوش مبادش زانكه نبود مرد تو
ذرّه اى دردم ده اى درمان منزانكه بى دردت بميرد جان من
كفر كافر را و دينْ دين دار راذرّه اى دردت دل عطّار را۱
وفي مناجاة الإمام زين العابدين عليه السلام : «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلاً ، ومَن ذا الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولاً ، فاجعلني من الذين هم بالبدار إليك يسارعون ، وبابك على الدوام يُطرقون ، وإيّاك في الليل والنهار يعبدون» . ۲قوله عليه السلام : (لِسَبْقِ عِلْمِه فيهم). [ح ۲ / ۳۹۶]
أي لعلمه السابق على خلقهم أنّ ذواتهم الشخصيّة بحيث لو وجدت واُعطيت العقلَ الذي هو صحّة مناط التكليف ، ودعاهم الرُّسل إلى الحقّ ، ما اختاروا إلّا المعصية ، ولو وجدوا أدوات العمل ما صرفوها إلّا في المعصية ، فكلّ ما يعطونه من الأدوات فهو قوّة المعصية بالنظر إليهم ، ولمّا لم يكن وجودهم ووجود معصيتهم منافيا لسلطان اللّه وإلهيّته ـ عظم شأنه ـ بل كان باعتبار ترتّب العذاب على خبائث أعمالهم والانتقام للمظلومين مظهرا لغاية من غايات الأسماء الجلاليّة ، أوجدهم ووهب لهم القوّة على معصيته .

1.منطق الطير ، ص ۲۴ .

2.قطعتان من مناجاة المحبّين ومناجاة المريدين . راجع: بحار الأنوار ، ج ۹۴ ، ص ۱۴۷ ـ ۱۴۸ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
470

فلنشرح أجزاء الحديث على وفق الاُصول المتقدِّمة :

قوله عليه السلام : (لأهْلِ مَحَبَّتِه). [ح ۲ / ۳۹۶]
أي للذين لهم أهليّة أن يحبّهم اللّه تعالى ، أو هم أهلٌ أن يحبّون اللّه . وهذا هو الأظهر بقرينة قوله عليه السلام : (ووَضَعَ عنهم ثِقْلَ العملِ)أي حالة الكسالة التي تكون للمتكلّفين ، فهم يؤتون ما اُتوا من العبادات على كمال الشوق والنشاط ، والسرور والانبساط، لا للخوف من العذاب ، أو لطمع الأجر والثواب ، بل لأنّه ممّا أمرهم به محبوبهم «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورا»۱ .
ثمّ من العمل الصبر على البلايا ، والمحبّون يتلذّذون بمرارته ، ويعدّون كلّ بلاء مائدةً من محبوبهم نازلةً عليهم ، وذلك لأنّ إيراد اللّه تعالى البلاء على المحبّين ليس ليعرف حالهم من الصبر والجزع ، بل هو أذابه لأجل التصفية عن الكدورات الإمكانيّة

1.الإنسان (۷۶) : ۸ ـ ۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126985
صفحه از 637
پرینت  ارسال به