بقدر الإمكان ، كما يُفعل ذلك بالذهب والفضّة ، ويعبّر عن ذلك أهل الصناعة بالوضع في الخلاص ، وإذ اُورد على المحبّ بلاء يستدلّ بذلك على أنّ المحبوب في مقام تصفيته فيبتلاه بذلك ، وللمحبّ حرقة اُخرى لازمة للمحبّة ليس شيء في الدنيا والآخرة ألذَّ منها ، بل بها حياته وبفقدها مماته ، يعرف ذلك معرفةً ضعيفةً من ابتُلي بالعشق ، وفتنته مدرة خولطت بدم وبلغم وتناسبت أجزاؤها ، وكان ممّن انفكّت رقبته عن أسر الشهوة البهيميّة ، فهو كالظمآن تراءى له من بُعد سرابٌ بِقيعةٍ ، فحسبه ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا . وإلى تلك الحرقة اللذيذة أشار العطّار وتمنّاها حيث قال في منطق الطير :
هركه را خوش نيست دل با درد توخوش مبادش زانكه نبود مرد تو
ذرّه اى دردم ده اى درمان منزانكه بى دردت بميرد جان من
كفر كافر را و دينْ دين دار راذرّه اى دردت دل عطّار را۱
وفي مناجاة الإمام زين العابدين عليه السلام : «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلاً ، ومَن ذا الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولاً ، فاجعلني من الذين هم بالبدار إليك يسارعون ، وبابك على الدوام يُطرقون ، وإيّاك في الليل والنهار يعبدون» . ۲قوله عليه السلام : (لِسَبْقِ عِلْمِه فيهم). [ح ۲ / ۳۹۶]
أي لعلمه السابق على خلقهم أنّ ذواتهم الشخصيّة بحيث لو وجدت واُعطيت العقلَ الذي هو صحّة مناط التكليف ، ودعاهم الرُّسل إلى الحقّ ، ما اختاروا إلّا المعصية ، ولو وجدوا أدوات العمل ما صرفوها إلّا في المعصية ، فكلّ ما يعطونه من الأدوات فهو قوّة المعصية بالنظر إليهم ، ولمّا لم يكن وجودهم ووجود معصيتهم منافيا لسلطان اللّه وإلهيّته ـ عظم شأنه ـ بل كان باعتبار ترتّب العذاب على خبائث أعمالهم والانتقام للمظلومين مظهرا لغاية من غايات الأسماء الجلاليّة ، أوجدهم ووهب لهم القوّة على معصيته .