483
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

أنّهم مأثومون و إن أصابوا لما ثبت عن أصحاب العصمة عليهم السلام أنّ القضاة أربعةٌ، ثلاثةٌ في النار ، وواحدٌ في الجنّة؛ أمّا الذين في النار: فمن أخطأ الحكم جهلاً، ومن أصاب الحكم جهلاً، ومن لم يحكم بالحكم عمدا. ۱
والمذهب الحقّ ـ الذي ذهب إليه الفرقة المحقّة الاثنا عشريّة التي سبقت لهم من اللّه الحُسنى ـ : أنّ للّه تعالى على كلّ قضية حكما ـ حتّى أرش الخدش ـ أنزله في كتابه مجملاً، و بيّنه لنبيّه صلى الله عليه و آله مفصّلاً، واستودع النبيُّ صلى الله عليه و آله جميع تلك الأحكام الربّانيّين من أهل بيته عليهم السلام ، وهم أهل الذكر الذين أمر اللّه بالسؤال عنهم والرجوع إليهم، فبيّنوا لهم على علمٍ ويقينٍ ، كما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يبيّن ذلك.
وقد سبق في باب البدع والرأي والمقاييس عن أبي عبداللّه عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّ عند كلّ بدعةٍ تكون من بعدي يُكاد بها الإيمانُ وليّا من أهل بيتي مُوكَّلاً به يَذُبُّ عنه، ينطق بإلهامٍ من اللّه ، ويُعْلِنُ الحقَّ ويُنوّره، ويردّ كيد الكائدين». الحديث. ۲
وفيه عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال لسماعة بن مهران : «إنّما هلك من هلك [من ]قبلكم بالقياس» ثمّ قال : «لعن اللّه أبا حنيفة، كان يقول: قال عليّ وقلتُ، وقالت الصحابة وقلتُ» ثمّ قال : «أ[كنت] تجلس إليه؟».
فقلت : لا، و لكن هذا كلامه. فقلت أصلحك اللّه ، أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله الناس بما يكتفون به في عهده؟
فقال : «نعم و ما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة».
فقلت: فضاع من ذلك شيء؟
فقال : «لا، هو عند أهله». ۳
وفي بابٍ بعده وهو باب الردّ إلى الكتاب والسنّة : «أنّه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج إليه الناس إلّا وقد جاء فيه كتابٌ أو سنّة». ۴

1.راجع: الكافي، ج ۷، ص ۴۰۷، باب أصناف القضاة، ح ۱؛ الفقيه، ج ۳، ص ۴، ح ۳۲۲۱؛ تهذيب الأحكام، ج ۶ ، ص ۲۱۸، ح ۵.

2.الكافي، ج ۱، ص ۵۴، ح ۵.

3.الكافي، ج ۱، ص ۵۷، ح ۱۳.

4.الكافي، ج ۱، ص ۵۹ ، مع اختلاف يسير.


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
482

شأنه ـ على العباد بنصب المميّزات في مواقع الشبهات ؛ «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ»۱ . ۲
ولمّا وجد «عمرو بن عبيد» نصب المميّز في أمر الحواسّ أفاده بزعمه لهشام، غافلاً عمّا يتبعه من الكَبْح ۳ والإلزام، وبعد ما نبّه عليه تفطّن أنّ للكلام غورا بعيدا، فعظّم هشاما وأجلّ مكانه، ولم ينطق بشيءٍ مادام جالسا، دهشةً وهيبةً ؛ وذلك لأنّه وجد نفسه معترفةً بوقوع الشبهة. كيف لا ولم يُفصَّل في محكمات الكتاب والسنّة حكم كلّ واقعةٍ تحدث في الاُمّة، وإلّا لما احتاجوا إلى القياسات والاستحسانات.
قال ابن الأثير في النهاية ـ وهو في تتبّع الآثار والغور فيها بمكانٍ رفيعٍ ـ :
المحدّثون يسمّون أصحاب القياس أصحاب الرأي، يعنون أنّهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر ۴ . انتهى.
وظاهرٌ أنّ القياس والاستحسان لايفيدان إلّا ظنّا، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا. وسيتبيّن في باب تفسير «إنَّا أَنْزَلْناهُ» بطلان مذهب المصوّبة الذين يقولون : ليس للّه في كثير من الواقعات حكمٌ في نفس الأمر، بل ما استقرّ عليه رأي المجتهد فهو حكم اللّه الواقعيّ، وإن استقرّ رأي مجتهدٍ آخر على نقيضه فهو أيضا حكم اللّه الواقعيّ، فلم يتصوّر خطأ في الحكم، بل الكلّ مصيبون؛ لأنّ حكم اللّه تابع لآرائهم. تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وكذا مذهب المخطّئة الذين يقولون : إنّ اللّه حكما في كلّ واقعة، ولكن لم يبيّن لنبيّه صلى الله عليه و آله إلّا بعضها ، ووكل العباد في البواقي إلى عقولهم؛ لكي يستفرغ المجتهدون منهم وُسعهم في طلبها، فإن أصابوا كان لهم أجران، وإن أخطأوا فأجرٌ واحدٌ، والحقّ

1.الأنفال (۸) : ۴۲ .

2.إشارة إلى الآية ۱۶۵ من سورة النساء (۴) : «لَئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» .

3.كبح الدابّة: جذب لجامها لتقف. وبالسيف: ضرب. وفلانا: ردّه عن الحاجة. القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۴۴ (كبح).

4.النهاية، ج ۲، ص ۱۷۹ (رأى).

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127225
صفحه از 637
پرینت  ارسال به