485
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الحكمة الكاملة إلى زمان الخروج.

خروج إمامٍ لا محالة خارجيقوم على اسم اللّه بالبركات۱
وليس هذا بمستبعد من الحكمة، كما قال سبحانه: «وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ »۲ ، فكما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فرّ من المشركين إلى الغار وكانت الأرض في مدّة غيبته خالية عن حجّةٍ ظاهرةٍ ، متمكّنة من دعوة الخلق وتمييز الحقّ من الباطل والهدى من الضلال، ولم يكن للناس على اللّه حجّة في ذلك لكون عدم الظهور والتمكّن من جهتهم لا من جهة اللّه تعالى؛ إذ هو سبحانه قد أزاح العلل بنصب من يقوم بالأمر إن مكّنوه؛ فكذلك أئمّتنا عليهم السلام اعتزلوا في زوايا الخمول من استيلاء متغلّبي أعصارهم، ولم يتمكّنوا من إظهار ما أنزل اللّه على نبيّه صلى الله عليه و سلم ، واستحفظه النبيّ صلى الله عليه و سلم الربّانيّين من أهل بيته، فكانوا مغلوبين مقهورين مبتزّين، يَرَوْن حكم اللّه مبدّلاً، وكتابه منبوذا، وشرائعه محرّفة عن جهات إشراعه، وسنن نبيّه متروكة، وكانوا إذا سُئلوا في الواقعات الطارئة عمّا هو حكم اللّه تعالى فيها أفتوهم على التقيّة في الأكثر، وأوقعوا فيهم الاختلاف عمدا؛ لئلّا يشتهروا بمخالفة أئمّة الجور ، فيتضرّروا هم و شيعتهم منهم، ووصل إلينا معاشر أيتام آل محمّد عليهم السلام المنقطعين عنهم من أخبارهم وآثارهم ما اشتبه التقيّة وغير التقيّة، و اُضيف إلى ذلك التحريفات والتغييرات من جهة الرواة والنسّاخ، فامتزج الحكم الواقعيّ بغير الواقعيّ، فاضطررنا ـ من جهة الخلق لا من جهة الخالق ـ إلى التحرّي والاجتهاد بقدر الوسع والطاقة، ووقع الاختلاف فينا من هذه الجهة، فنحن كمن حبسه ظالم في محبسٍ مظلمٍ لايستطيع أن يستعلم القبلة وأوقاف الصلوات فيتحرّى بقدر الوسع، وليس لأحدٍ أن يحتجّ على اللّه تعالى بوقوع الإبهام في أحكامه بالنسبة إلى ذلك الشخص المحبوس، وتجويزه تعالى الاختلاف فيها، وأين هذا الاختلاف من اختلاف

1.عيون أخبار الرضا، ج ۲، ص ۲۶۵، ح ۳۵؛ كمال الدين، ج ۲، ص ۳۷۲، ح ۶؛ دلائل الإمامة، ص ۱۸۳؛ روضة الواعظين، ج ۲، ص ۲۶۸؛ العدد القويّة، ص ۲۹۱. وفي كل المصادر : «والبركات» بدل «بالبركات».

2.الأعراف (۷): ۱۸۳.


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
484

ومن كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا : «يرد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره، فيحكم فيها بخلاف قوله، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم ، فيصوّب آرائهم جميعا ، وإلههم واحدٌ ، ونبيّهم واحدٌ ، و كتابهم واحدٌ؛ أفرأى أمرهم ۱ اللّه سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل اللّه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل اللّه دينا تامّا فقصّر الرسول صلى الله عليه و آله عن تبليغه وأدائه ، واللّه سبحانه يقول: «ما فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيءٍ»۲ وفيه تبيان كلّ شيء، وذكر أنّ الكتاب يُصدّق بعضه بعضا، وأنّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفًا كَثِيرًا»۳ ، وأنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق؛ لاتُفنى عجائبه ، ولاتنقضي غرائبه ، ولاتُكشف الظلمات إلّا به». ۴
ولعلّك تقول: هو ذا فقهاؤنا ـ رضوان اللّه عليهم ـ مع كمال التقوى والديانة قد اختلفوا في الفتاوى، فما الوجه في ذلك؟ فاعلم أنّه قد سبق أنّ اللّه أنزل جميع الواقعات الحادثة إلى يوم القيامة على نبيّه صلى الله عليه و آله ، وهو استودعها وصيّه وخليفته أميرالمؤمنين عليه السلام ، و هكذا توارث الأوصياء عليهم السلام واحدا بعد واحد إلى أن انتهى الأمر إلى الحجّة الخلف المنتظر وليّ الأمر وصاحب العصر ، صلوات اللّه وسلامه عليه و على آبائه الطاهرين.

ولو قلّدوا الموصى إليه اُمورهالَزُمّت بمأمون عن العثرات۵
كما قال مادح آل محمّد عليهم السلام دعبل الخزاعي في قصيدته، ولكنّ الحسد وحبّ الرئاسة الباطلة حملا جماعة على أن غصبوا الخلافة ، وصرفوها عن أهلها بالزور والتدليس، ولم يمكّنوهم ممّا نصبوا له من إعلان الحقّ والإفتاء بما أنزل اللّه تعالى على علمٍ ويقينٍ ، كما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يفعل، واللّه تعالى أملى لهم بحسب

1.في المصدر : «أفأمرهم» بدل «أفرأى أمرهم».

2.الأنعام (۶): ۳۸.

3.النساء (۴): ۸۲ .

4.نهج البلاغة، ص ۶۱ ، الخطبة ۱۸.

5.العدد القويّة، ص ۲۸۶؛ كشف الغمّة، ج ۲، ص ۳۲۰؛ بحارالأنوار، ج ۵۳، ص ۲۴۶.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127226
صفحه از 637
پرینت  ارسال به