487
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وبما حرّرنا تبيّن معنى قوله عليه السلام : «إنّما قلت ويل ۱ لهم إن تركوا ما أقول ، وذهبوا إلى ما يريدون» ويشهد لما بيّنّا ما قال عليه السلام لكلّ واحد من الأصحاب، خصوصا قوله عليه السلام : «تكسر باطلاً بباطل إلّا أنّ باطلك أظهر» ، فتدبّر .
قوله : (لو كُنتَ تُحْسِنُ الكلامَ) . [ح ۴ / ۴۳۷]
في القاموس : «هو يحسن الشيء إحسانا، أي يعلمه ». ۲
أقول : وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام :

«وقيمة المرء ما قد كان يحسنهوالجاهلون لأهل العلم أعداء»۳
قوله : (فيالها مِن حَسْرَةٍ) . [ح ۴ / ۴۳۷]
«يا» حرف النداء، واللام هي الجارّة، ومعناها التعجّب. والضمير نكرة من باب ربّه رجلاً . و«من حسرةٍ» بيان . ومثل ذلك في زيارة الحسين عليه السلام : «يا لها من مصيبة». ۴
واختلف في أنّ المنادى ماذا ؟
قال الجامي بعد قول المصنّف : «ويخفض بلام الاستغاثة»:
قيل : قد يخفض المنادى بلامي التعجّب والتهديد أيضا، فلام التعجّب نحو: يا للماء ويا للدواهي، ولام التهديد نحو: يا لزيد لأقتلنّك، فلمَ أهمَلَ المصنّف ذكرهما ؟ وكيف يصدق قوله فيما بعد : وينصب ما سواهما ؟
واُجيب بأنّ كلّاً من هاتين اللامين لام الاستغاثة، كأنّ المهدِّد ـ اسم الفاعل ـ يستغيث بالممهَّد ـ اسم المفعول ـ ليحضر، فينتقم منه ، و يسرّيح من ألم خصومته، و كأنّ المتعجّب يستغيث بالمتعجّب منه ؛ ليحضر ، فيقضي منه التعجّب ، ويتخلّص منه.
واُجيب عن لام التعجّب بوجه آخر ذكره المصنّف في الإيضاح وهو : أنّ المنادى في قوله : «يا للماء ويا للدواهي» ليس الماء ولا الدواهي، وإنّما المراد: يا قوم، أو يا هؤلاء

1.في المطبوع : «فويل».

2.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۱۴ (حسن).

3.ديوان الإمام عليّ عليه السلام ، ص ۲۴. و راجع: نهج البلاغة، ص ۴۸۲، الحكمة ۸۱ ؛ و ص ۵۰۱، الحكمة ۱۷۲؛ الإرشاد، ج ۱، ص ۳۰۰؛ غرر الحكم، ص ۶۶ ، ح ۸۶۹؛ و ص ۳۸۳، ح ۸۷۱۶ .

4.الكافي ، ج ۳ ، ص ۲۲۰ ، ح ۳ ؛ كامل الزيارات ، ص ۱۷۷ ، ح ۸ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
486

المصوّبة والمخطّئة الذين يقولون : إنّ الإبهام الداعي إلى الاجتهاد والتظنّي من قبل اللّه لا من قبل الخلق، فنحن مضطّرون إلى الاجتهاد المستلزم للاختلاف من جهة الظَّلَمة لا من جهة اللّه ، وهم على زعمهم الفاسد مأمورون بالاجتهاد، بل بالاختلاف؛ لأنّ الأمر بالملزوم أمرٌ باللازم، فهم مصداق ما أخبر اللّه تعالى بقوله: «وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَة قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» . ۱
ومَثَلنا مثل قطيع من الغنم وكلّ عليها مولاها راعيا بصيرا ذا معرفة بالمشرع والمرعى، فحبسه ظالم و منعه عن القيام بأمر القطيع، ثمّ إنّا وإن انقطعنا عن راعينا إلّا أنّا منتظرون لإنجاز ما وعد اللّه ـ تبارك و تعالى ـ أئمّتنا عليهم السلام بقوله: «وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِى الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ »۲ ووعد شيعتهم المؤمنين بقوله: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـ?ا»۳ ، ومثلهم كمثل عدّة شاة من القطيع أفلتت الراعي وأخذت تعدو في الصحاري حيارى، لاتهتدي إلى ماءٍ ولامرعى حتّى انتظمت عمّا قليل في زمر الهالكين والصرعى.
وليكن ختام الكلام بما قلت في مرثيتي للحسين عليه السلام نظما ونثرا، وكأنّي بمولانا القائم عليه السلام وقد سلّ سيف الانتقام من غمده، وأمر بإحضار يزيد اللعين وجُنده، فحمل عليهم حملاتٍ ، وقطّعهم قطعاتٍ، ذلك جزاؤهم في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى ، ثمّ رخّص لأنصار اللّه قتل سائر النواصب، فحملوا عليهم بالرماح الشواجر، والسيوف القواضب ، كأنّ أكَمَةً من الحطام جرى عليها السيل، أو أنوار الصبح هَجَمَت بغتةً على ظلام الليل، أو كان اللّه تعالى أرسل على أصحاب الفيل: «طَيْرا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ»۴ (نظم) :
أيا نفس قد آن الخروج فهيّئيلتروي بهم حدّ القواضب والقنى
ولا تحسبنّ اللّه مخلف وعدهفها هو ذا اليوم يُنجزُ أو غدا
ولا تقنطي من رحمة اللّه أنّهلأكرمَ مسؤول وأفضل مُرتجى
قوله : (إنّي رجلٌ صاحبُ كلامٍ) .[ح ۴ / ۴۳۷]
المراد بالكلام الدلائل الجدليّة التي بناؤها على الوضع إمّا من العامّة، أو طائفة خاصّة، أو من خصوص المخاطب؛ ولمّا كانت مجادلات رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالتي هي أحسن ـ التي مرجعها إلى وضع ما هو واقع في نفس الأمر من دون استعمال مشاغبة ومغالطة وإن اُخذ على أنّه مشهور، أو مسلّم طائفة، أو مسلّم المخاطب؛ لأنّ الغرض كان إفادة إذعان القوم للدين الحقّ ـ لا على وجه الخديعة كما هو شأن المغالطين والمشاغبين، فمن كان له استعداد فَهم البرهان الذي هو الحكمة، كان يدعوه بها ليحصل له الإذعان اليقيني، ومن لم يكن له ذلك الاستعداد، كان يدعوه بأمر اللّه تعالى بالجدال بالتي هي أحسن ، والموعظة الحسنة ليرقّ قلبه، ويميل إلى الحقّ، ويحصل له شبه اليقين إلى أن يتدرّج ويرتقي إلى فهم الحكمة والبرهان، فلذلك قال عليه السلام : «من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو من عندك؟» ولمّا عمّم الرجل ، قال عليه السلام : «إنّ استعمال الرسول صلى الله عليه و آله من جهة أنّه كان مأمورا به من قبل اللّه تعالى، فمَنْ أذن لك بذلك؟» وليس برهانا عقليّا حتّى يستقلّ العقل به، ولا يحتاج إلى الإذن ؛ فإنْ زعمت أنّ ما أتى به جبرئيل عليه السلام فقد أشركك فيه، فأنت إذن شريك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإن ادّعيت أنّ اللّه تعالى أوحى إليك بالإذن على وجه الخصوص، كذّبك نفسك، وإن لم تدّع لا هذا ولا ذاك، فمن أيّ وجهٍ تُوجب علينا أن نُصغي إلى كلامك ؟ ونحن على يقين فيما عندنا، فلا نحتاج إلى البحث والفحص إلّا أن تدّعي أنّه يجب إطاعة ما تأمرنا به ، كما كان يجب إطاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله من جهة ظهور آياته، فهل تقول بذلك؟
فلمّا اعترف بعدم وجوب الطاعة، انسدّ عليه باب المناظرة ؛ فلذا قال عليه السلام : «فهذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم» ، ثمّ أمر بإحضار المتكلّمين تبرّعا لئلّا يخطر ببال الرجل أنّ غرض الإمام عليه السلام في هذا الإلزام الفرار من الكلام .

1.الأعراف (۷): ۲۸.

2.القصص (۲۸): ۵.

3.النور (۲۴): ۵۵.

4.الفيل (۱۰۵) : ۳ ـ ۵ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127000
صفحه از 637
پرینت  ارسال به