499
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الرسول إذا انحصر في أن يكون منذرا فلا يحصل منه الهداية ، فاُجيب بأنّ اللّه تعالى وإن كان وليَّ كلّ نعمة ومفيض كلّ خير ، والهداية من أعظم النعماء وأجلّها ، إلّا أنّ الحكمة الكاملة أبت إلّا أن تجري الأشياء بأسبابها، والأسباب لابدّ من مناسبتها للمسببّات ، ولأجْل ذلك قيل: إنّ لكلّ قوم هاد ، وهذا بالنظر إلى المبادئ القريبة، وإلّا فلا هادي إلّا اللّه ، وكذلك سائر النعم ؛ فإنّ مولاها جميعا هو اللّه تعالى ، وإن كان بالنظر إلى المبادئ القريبة لكلّ منعم عليه وليُّ نعمة.
ولنذكر عدّة آيات وردت في أمر الهداية :
ففي سورة المؤمن : «وَقَالَ الَّذِى آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ»۱ ، وفي سورة الأعراف : «وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ»۲ ، وفيها أيضا : «مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى»۳ ، وفي سورة الأنبياء : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا»۴ ، وفي سورة الأنعام : «قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ»۵ ، وفيها أيضا : «قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»۶ .

باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللّه عزَّ وجلّ

قوله :«اللّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»۷. [ح ۵ / ۵۲۲]
في تفسير البيضاوي :
النور في الأصل كيفيّة يدركها الباصرة أوّلاً وبوساطتها سائر المبصرات، كالكيفيّة الفائضة من النيّرين على الأجرام الكثيفة العنصريّة ۸ المحاذية لهما ، وهو بهذا المعنى لا يصحّ إطلاقه على اللّه تعالى إلّا بتقدير مضاف ، كقولك : زيد كرم ، أي ذو كرم ؛ أو على تجوّز ، بمعنى منوّر السماوات والأرض ؛ فإنّه تعالى نوّرها بالكواكب وما يفيض عنها

1.غافر (۴۰) : ۳۸ .

2.الأعراف (۷) : ۱۸۱.

3.الأعراف (۷) : ۱۷۸ .

4.الأنبياء(۲۱) : ۷۸ .

5.الأنعام (۶) : ۷۱ .

6.الأنعام (۶) : ۱۶۱ .

7.النور (۲۴) : ۳۵ .

8.في المصدر: - «العنصريّة».


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
498

كفاك مؤونتها ، إنّما عليك أن تنذرهم ، وتحذر عن متابعة الهوى والغفلة ، وبعد التأثّر بالإنذار ورفض الهوى بحملهم العقول على طلب مرضاة اللّه تعالى ومسخطاته ، وحينئذٍ ينصب لهم من دلائل النبوّة ما يناسب حالهم ، ويثبت به الحجّة عليهم ، ولا يعلم ذلك إلّا الذي جبل الخلائق على طبائع مختلفة وعقول متفاوتة ، وكثيرا ما يثبت صدق النبيّ بإخبار نبيّ سابق ، وربّما يثبت بمحامد خصال اجتمعت فيه، وربّما ينغرس الصدق بمجرّد مشاهدة السيماء .
فظهر من هذا البيان أنّ المقصود جواب قولهم : «لَوْ لَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ» وهو قد تمّ بقوله تعالى : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ» ولا مدخل في ذلك لقول : «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فينبغي الوقف على «مُنْذِرٌ» و جَعْلُ «و لِكُلِّ قَوْمٍ» كلاما مستأنفا . وقد حُرم هذا الفهمَ البيضاوي ۱ ، ورُزق الكواشي ، قال :
المنذر : محمّد . والهادي : عليّ . ومن جعل الهادي محمّدا لم يقف على منذر ؛ لأنّ المعنى : إنّما أنت منذر وهاد ، ومن جعل غيره وقف على منذر . انتهى .
أقول : لو كان المراد أنّ الهادي محمّد ، كان حقّ العبارة : «إنّما أنت منذر وهاد لكلّ قوم» أو «إنّما أنت منذر لكلّ قوم وهاد» . ومن له ذوق سليم ودراية بأساليب الكلام لايخفى عليه صدق ما قلناه ؛ فتدبّر .
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم :
حدّثني أبي ، عن حمّاد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «المنذر : رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والهادي : أمير المؤمنين عليه السلام وبعده الأئمّة عليهم السلام ، وهو قوله : «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» [أي] في كلّ زمان إمام هاد» . وهو ردّ على من ينكر أنّ في كلّ عصر وزمان إماما ، وأنّه لا تخلو الأرض من حجّة ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا يخلو الأرض من قائم بحجّة للّه إمّا ظاهرا مشهورا ، أو خائفا مغمورا ؛ لئلّا يبطل حجج اللّه وبيناته» ۲ انتهى .
ولعلَّ قوله سبحانه : «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» شبه استيناف ؛ لما عسى أن يخطر بالبال من أنّ

1.أنوار التنزيل، ج ۳، ص ۳۱۹.

2.تفسير القمّي، ج ۱، ص ۳۵۹.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103442
صفحه از 637
پرینت  ارسال به