521
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

اليمين، ولابدّ لذلك من نكتة، فلتكن تلك النكتة بعينها مرعيّةً في إرجاع ضمير «يدخلون» إلى «السابق بالخيرات» في الآية التي نحن فيها دون المقتصد .
والظاهر أنّ النكتة كون السابقين هم الأصل ، والمقتصدين وأصحاب اليمين إنّما يدخلون الجنّة ببركة أتباعهم ، والمتعارف في الضيافات ذكر الأصل والمقصود بالذات ، دون الأتباع الذين هم بالعرض .
والتوجيه الذي ذكرنا موافق لما عليه أهل الذكر الراسخون في العلم ، فلا يعدل عنه إلى غيره إلّا الذين في قلوبهم زيغ .
وما قال المتسمّون بالعُلماء في مجلس المأمون من أنّ المراد جميع الاُمّة ممّا لا يقبله ذوق من له دراية بأساليب الكلام ؛ لأنّ المراد بالإيراث إن كان هو الاستيداع والاستحفاظ كما هو الظاهر بحسب المقام ، فظاهر أنّ جميع الاُمّة ـ الذين فيهم الباغون على أئمّة العدل حسدا وحبّا للرياسة الباطلة باعتراف الكلّ ـ ليسوا أهلاً لذلك ؛ وإن كان المراد مجرّد الإبقاء فيهم ، فوصف المورثين بالاصطفاء عارٍ عن الفائدة ، بل مخلّ غير ملائم لقوله : «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ» كما لايخفى .
وقد تفطّن لذلك البيضاوي ، وخصّ المصطفين بالعلماء من الصحابة ومن بعدهم 1 .
وبالجملة ، فالمعنى على الاحتمال الذي ذكرنا : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا» الموحى إليك ـ أي استودعناه واستحفظناه الذين اصطفينا من عبادنا ـ الجماعةَ الذين خلّصناهم من بين هذه الاُمّة عن كدورات الرجس : رجس الذنوب وإضاعة ما استودعوه واستُحفظوه تعمّدا أو خطأً أو سهوا ، أي فطرناهم صافين خالصين ؛ من باب ضيّق فم الركيّة .
وإنّما أورثناهم الكتاب كيما إن حرّف كلمةً منه المتصنّعون بالإسلام ، أواقتحم في متشابهه الجاهلون الذين تراءسوا قبل أن يعضّوا في العلم بضرس قاطع ، كان للمسترشدين سبيل إلى استعلام الحقّ ، وإلى دليل يهديهم في كلّ حادثة نزلت بهم إلى حكمها المنزّل في الكتاب على العلم واليقين ، دون الظنّ والتخمين : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى

1.أنوار التنزيل، ج ۴، ص ۴۱۹.


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
520

ثمّ أقول : الآية الاُولى صريحة في أنّ المراد بالكتاب في الآية الثانية القرآن ، وقد اعترف بذلك البيضاوي أوّلاً ، ثمّ جوّز أن يكون المُراد التوراة ، والموروث منهم الاُمم السابقة ، ويكون آية «وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ» جملة معترضة . وهذا كماترى .
وقال في توجيه إيراد الإيراث بصيغة الماضي : «حكمنا بتوريثه منك أو نورّثه ، فعبّر عنه بالماضي لتحقّقه ، أو أورثناه من الاُمم السالفة ، والعطف على «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ»۱ ، «وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ» اعتراض لبيان كيفيّة التوريث» ۲ .
فأقول : يحتمل أن يكون «أورثنا» بمعنى استودعنا واستحفظنا ، و «عبادنا» عبارةً عن هذه الاُمّة التي علم اللّه أنّ بعضهم أشرار ظلمة ، وبعضهم أئمّة يهدون بالحقّ ، وبعضهم مقتفي آثار الأئمّة ، ويكون «من» في «من عبادنا» ابتدائيّةً ، والجارّ متعلّق ب «اصطفينا» أي انتخبناهم من بين العباد ، والمصطفون من بين العباد المستودَعون للكتاب المستحفظون إيّاه هم صنف الأئمّة من أصناف الاُمّة ، وضمير «منهم» ـ المشتمل على الأصناف الثلاثة ـ للعباد ، أي الاُمّة ، والفاء فيه للسببيّة كما نقل صاحب المغني في قوله تعالى : «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً» أي فصار الاصطفاء سببا ومنشأً لأن تكون الاُمّة كذا وكذا ۳ ؛ لأنّه بالاصطفاء حصل صنف ، وبمخالفة المصطفى صنف آخر ، وبمتابعته حصل صنف ثالث ؛ فلم تزد الأصناف عن الثلاثة ولم تنقص .
وهذا التقسيم يحاذي في الأقسام قوله تعالى : «وَ أصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ و ماءٍ مَسْكُوبٍ»۴ الآيه. «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ»۵ الآية . «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ»۶ .
جعل سبحانه في هذه الآية الكونَ في الجنّات وصفَ حال للسابقين دون أصحاب

1.فاطر (۳۵) : ۲۹.

2.أنوار التنزيل، ج ۴، ص ۴۱۹.

3.مغني اللبيب، ج ۱، ص ۱۶۲.

4.الواقعة (۵۶): ۲۷ ـ ۳۱.

5.الواقعة (۵۶) : ۴۱ ـ ۴۳ .

6.الواقعة (۵۶): ۱۰ ـ ۱۲.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 129891
صفحه از 637
پرینت  ارسال به