اليمين، ولابدّ لذلك من نكتة، فلتكن تلك النكتة بعينها مرعيّةً في إرجاع ضمير «يدخلون» إلى «السابق بالخيرات» في الآية التي نحن فيها دون المقتصد .
والظاهر أنّ النكتة كون السابقين هم الأصل ، والمقتصدين وأصحاب اليمين إنّما يدخلون الجنّة ببركة أتباعهم ، والمتعارف في الضيافات ذكر الأصل والمقصود بالذات ، دون الأتباع الذين هم بالعرض .
والتوجيه الذي ذكرنا موافق لما عليه أهل الذكر الراسخون في العلم ، فلا يعدل عنه إلى غيره إلّا الذين في قلوبهم زيغ .
وما قال المتسمّون بالعُلماء في مجلس المأمون من أنّ المراد جميع الاُمّة ممّا لا يقبله ذوق من له دراية بأساليب الكلام ؛ لأنّ المراد بالإيراث إن كان هو الاستيداع والاستحفاظ كما هو الظاهر بحسب المقام ، فظاهر أنّ جميع الاُمّة ـ الذين فيهم الباغون على أئمّة العدل حسدا وحبّا للرياسة الباطلة باعتراف الكلّ ـ ليسوا أهلاً لذلك ؛ وإن كان المراد مجرّد الإبقاء فيهم ، فوصف المورثين بالاصطفاء عارٍ عن الفائدة ، بل مخلّ غير ملائم لقوله : «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ» كما لايخفى .
وقد تفطّن لذلك البيضاوي ، وخصّ المصطفين بالعلماء من الصحابة ومن بعدهم 1 .
وبالجملة ، فالمعنى على الاحتمال الذي ذكرنا : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا» الموحى إليك ـ أي استودعناه واستحفظناه الذين اصطفينا من عبادنا ـ الجماعةَ الذين خلّصناهم من بين هذه الاُمّة عن كدورات الرجس : رجس الذنوب وإضاعة ما استودعوه واستُحفظوه تعمّدا أو خطأً أو سهوا ، أي فطرناهم صافين خالصين ؛ من باب ضيّق فم الركيّة .
وإنّما أورثناهم الكتاب كيما إن حرّف كلمةً منه المتصنّعون بالإسلام ، أواقتحم في متشابهه الجاهلون الذين تراءسوا قبل أن يعضّوا في العلم بضرس قاطع ، كان للمسترشدين سبيل إلى استعلام الحقّ ، وإلى دليل يهديهم في كلّ حادثة نزلت بهم إلى حكمها المنزّل في الكتاب على العلم واليقين ، دون الظنّ والتخمين : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى