543
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

في ردائهم الذي خصّهم اللّه به من الرياسة العامّة والإمارة المطلقة وقيادة الاُمّة ، وعصوا اللّه تعالى فيما أوجب عليهم من سؤال أهل الذكر والسمع والطاعة لاُولي الأمر ، فعرضت البهمة من جهة اُولئك الظلمة، فأمرنا أئمّتنا عليهم السلام بالعمل بما يصل إلينا منهم عليهم السلام على وجه التسليم والانقياد بعد التحرّي ورعاية الاحتياط إلى زمان الفرج :

خروج إمام لا محالة خارجيقوم على اسم اللّه والبركات
فنحن مجتهدون بالاجتهاد اللغوي ، لا ما اصطلح عليه المصوّبة والمخطّئة من استفراغ الوسع لتحصيل الظنّ عن الأدلّة التي من جملتها القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وإجماع أهل الحلّ والعقد في عصر على أمر ليس فيه كتاب أو سنّة ، فمَثَلنا مثل من حبسه ظالم في سجن لا يتيسّر فيه معرفة أوقات الصلوات وجهة القبلة وأمثالهما .
قوله : (فإيّاك أن يَنْطِقَ لسانُك عند مَسْألتي بأمرٍ تُضْمِرُ لي غيرَه) . [ح ۱ / ۶۴۵]
يعني إيّاك أن تجيبني عند مسألتي بجواب هو أحد رأييك في تلك المسألة ، وتضمر جوابا آخر مقابلاً له، معتقدا بأنّ لك أن تجيب بذلك أيضا ؛ لأنّ كلّاً منهما يصدق عليه أنّه رأي المجتهد، ورأي المجتهد حكم اللّه ، ولهذا ترى أهل الضلال يذكرون في كتبهم الفقهيّة : هذا أحد قولَيْ أبي حنيفة ، وهذا قول الشافعي القديم ، ولأبي يوسف في ذلك قولان ، وأمثال هذه العبارات ، ولأجل صحّة العمل بكلٍّ لا يغيّرون ما في الكتاب السابق ، بل يقولون : إنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ؛ فإنّهما حكم اللّه تعالى في الواقع ـ بناء على أصل التصويب ـ وأمران مستفرغ لهما الوسع في طلب ما آتاهم اللّه تعالى ليجول فيه الأفكار، بناء على أصل التخطئة .
فقوله عليه السلام : «إنّما يَفْعَلُ ذلك مَنْ في قلبهِ عِلْمان» أي رأيان مخالفان في مسألة واحدة من مسائل الحلال والحرام، وليعلم أنّ الفرقة الناجية وإن كانت فتاواهم أيضا مختلفة وقد يفتي واحد منهم في كتاب بفتوى وفي كتاب آخر باُخرى ، إلّا أنّهم معترفون بأنّ ذلك من باب الاضطرار الناشئ من عدم تمكّن الإمام العالم بجميع أحكام اللّه تعالى في


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
542

الرأى ، يعنون أنّهم يأخذون بآرائهم فيمايشكل من الحديث ، أو مالم يأت فيه حديث ولا أثر» ۱ انتهى .
وبالتشبّث بهذا الرأي رأوا أنفسهم مستغنين عن سؤال أهل الذكر والردّ إلى اُولي الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله بقوله : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»۲ ، وقال «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»۳ فضلّوا وأضلّوا ، ولمّا كان انهدام بنيانهم بإثبات أنّ للّه تعالى في جميع الاُمور حتّى أرش الخدش حكما معيّنا منزّلاً على الرسول عليه السلام مستودعا عند اُمنائه لا يختلف باختلاف الآراء ، ومن خالف ذلك لا من جهة عروض المانع من شرف لقاء إمام زمانه كان مضادّا للّه ، بالغوا عليهم السلام في ذلك ، كما لايخفى على من تتبّع الآثار.
وفي طيّ هذا الحديث الشريف سدّ جميع أبواب المفرّ على المصوّبة القائلين بأنّه لمّا لم يكن للّه في القضايا الاجتهاديّة حكم في نفس الأمر سوى رأى المجتهد يجوز الاختلاف في الرأي، وعلى المخطّئة القائلين بأنّ للّه تعالى في كلّ واقعة حكما معيّنا ولكنّه أبهمه علينا في كثير من الحوادث ليكون مضمارا للمجتهدين يتسابقون إلى الحكم الواقعي ، ويستفرغون وسعهم في طلبه بالقياسات والاستحسانات إلى أن يستقرّ رأيهم على حكم فيفتون به ، ويسمّون حكم اللّه بالنسبة إليهم لا حكم اللّه الواقعي ؛ فإن اتّفق لأحد إصابة الواقع في الواقع فهو مثابٌ بثوابين، وإن أخطأ فله ثواب واحد ، والحقّ أنّهم مأثومون ، اتّفقت الإصابة أو وقع الخطأ ؛ لأنّ القول بأنّ اللّه سبحانه أبهم حكمه افتراءٌ عليه «إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ»۴ بل الحقّ أنّ البُهم إنما طرأ على الأحكام المعيّنة المفصّلة المُستودعة عند العُلماء الربّانيين المستحفظين لكتاب اللّه من جهة الطواغيت من المتغلّبين وفقهائهم المتقرّبين إليهم بالأباطيل المزوّرة ليأكلوا بهم الدنيا، وعارضوا أئمّة الدين عليهم السلام لحطام دنيا دنيّة زائلة، ونازعوهم

1.النهاية، ج ۲، ص ۱۷۹ (رأى).

2.النساء (۴) : ۵۹ .

3.النساء (۴) : ۸۳ .

4.يونس (۱۰) : ۶۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 132815
صفحه از 637
پرینت  ارسال به