قوله : (لا يَسْتَخْلِفُ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله إلّا من يَحْكُمُ بِحُكْمِه ، وإلّا مَن يكونُ مِثْلَهُ إلّا النبوّةَ) . [ح ۱ / ۶۴۵]
يعني مركوز في العقول السليمة أنّ الرسول الذي كان السبب بينه وبين اللّه متّصلاً وجبرئيل عليه السلام كان يأتيه ، لا يستخلف ولا يستنيب ولا يختار للجلوس في مقامه وإجراء أحكامه إلّا من كان مؤيَّدا مسدّدا معلّما علمه الذي لا اختلاف فيه ، فلا محيص لهم عن القول بذلك ، فهم إذن بين جحود الاستخلاف ـ وهو إسناد تضييع من في أصلاب الرجال إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ وبين الاعتراف به ، فينهدم بنيانهم ويضعف أركانهم للاتّفاق على قول خليفتهم : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في الحِجال ۱ ؛ وقوله أيضا : لولا عليّ لهلك عمر ۲ .
قوله : (فإن قالوا لك : فإنّ علمَ رسولِ اللّه كانَ من القرآن ، فَقُلْ) . [ح ۱ / ۶۴۵]
يعني إن تترّسوا عن سهام الإلزام بالقرآن ، وقالوا : لا حاجة إلى أن يستخلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله مَن كان مستودعا لعلمه ؛ فإنّ علمه كان من القرآن ، فحسبنا كتاب اللّه ، نأخذ منه ما نحتاج إليه كما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأخذ منه ، فإذن اقرأ عليهم هذه الآية التي تدلّ على أنّ مجملات الأحكام تخرج في كلّ ليلة القدر إلى التفصيل بقدر ما يحتاج إليه أهل سنة تلك الليلة ، ويرسل اللّه الملائكة والروح بتفاصيل أحوال كلّ سنة في ليلة قدرها ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : «يُفْرَقُ» و «تَنَزّل» بصيغة المضارع المفيد للتجدّد ، فهل يكون المرسل إليه بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا خليفة العصر ؟
ولايخفى على العارف بآداب المناظرة أنّهم بعد بيان الإمام عليه السلام أنّ لأهل كلّ سنة أحكاما في مطاوي جُمل القرآن ، وخروجها إلى التفصيل في ليلة قدر تلك السنة،
1.المبسوط للسرخسي، ج ۱۰، ص ۱۵۳؛ الكشّاف، ج ۳، ص ۱۴۰؛ تفسير الرازي، ج ۱۰، ص ۱۳؛ تفسير ابن كثير، ج ۱، ص ۴۷۸؛ الدرّ المنثور، ج ۲، ص ۱۳۳.
2.الكافي، ج ۷، ص ۴۲۳، باب النوادر، ح ۶؛ الفقيه، ج ۴ ، ص ۳۵، ح ۵۰۲۵؛ التهذيب، ج ۶ ، ص ۳۰۴، ح ۵۶؛ الاستيعاب، ج ۳، ص ۱۱۰۳؛ تفسير السمعاني، ج ۵، ص ۱۵۴؛ تفسير الرازي، ج ۲۱، ص ۲۲؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱، ص ۱۹ و ۱۴۱ و... .