547
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

قوله : (لا يَسْتَخْلِفُ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله إلّا من يَحْكُمُ بِحُكْمِه ، وإلّا مَن يكونُ مِثْلَهُ إلّا النبوّةَ) . [ح ۱ / ۶۴۵]
يعني مركوز في العقول السليمة أنّ الرسول الذي كان السبب بينه وبين اللّه متّصلاً وجبرئيل عليه السلام كان يأتيه ، لا يستخلف ولا يستنيب ولا يختار للجلوس في مقامه وإجراء أحكامه إلّا من كان مؤيَّدا مسدّدا معلّما علمه الذي لا اختلاف فيه ، فلا محيص لهم عن القول بذلك ، فهم إذن بين جحود الاستخلاف ـ وهو إسناد تضييع من في أصلاب الرجال إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ وبين الاعتراف به ، فينهدم بنيانهم ويضعف أركانهم للاتّفاق على قول خليفتهم : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في الحِجال ۱ ؛ وقوله أيضا : لولا عليّ لهلك عمر ۲ .
قوله : (فإن قالوا لك : فإنّ علمَ رسولِ اللّه كانَ من القرآن ، فَقُلْ) . [ح ۱ / ۶۴۵]
يعني إن تترّسوا عن سهام الإلزام بالقرآن ، وقالوا : لا حاجة إلى أن يستخلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله مَن كان مستودعا لعلمه ؛ فإنّ علمه كان من القرآن ، فحسبنا كتاب اللّه ، نأخذ منه ما نحتاج إليه كما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأخذ منه ، فإذن اقرأ عليهم هذه الآية التي تدلّ على أنّ مجملات الأحكام تخرج في كلّ ليلة القدر إلى التفصيل بقدر ما يحتاج إليه أهل سنة تلك الليلة ، ويرسل اللّه الملائكة والروح بتفاصيل أحوال كلّ سنة في ليلة قدرها ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : «يُفْرَقُ» و «تَنَزّل» بصيغة المضارع المفيد للتجدّد ، فهل يكون المرسل إليه بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا خليفة العصر ؟
ولايخفى على العارف بآداب المناظرة أنّهم بعد بيان الإمام عليه السلام أنّ لأهل كلّ سنة أحكاما في مطاوي جُمل القرآن ، وخروجها إلى التفصيل في ليلة قدر تلك السنة،

1.المبسوط للسرخسي، ج ۱۰، ص ۱۵۳؛ الكشّاف، ج ۳، ص ۱۴۰؛ تفسير الرازي، ج ۱۰، ص ۱۳؛ تفسير ابن كثير، ج ۱، ص ۴۷۸؛ الدرّ المنثور، ج ۲، ص ۱۳۳.

2.الكافي، ج ۷، ص ۴۲۳، باب النوادر، ح ۶؛ الفقيه، ج ۴ ، ص ۳۵، ح ۵۰۲۵؛ التهذيب، ج ۶ ، ص ۳۰۴، ح ۵۶؛ الاستيعاب، ج ۳، ص ۱۱۰۳؛ تفسير السمعاني، ج ۵، ص ۱۵۴؛ تفسير الرازي، ج ۲۱، ص ۲۲؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱، ص ۱۹ و ۱۴۱ و... .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
546

وهواه كعلوم المصوّبة . ووجه عدم استطاعتهم أنّه ما من أحد من المنتمين إلى الإسلام إلّا وقد أقرّ بقول اللّه عزَّ وجلَّ : «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحى»۱ وهذا وجه عدم تعرّض الإمام عليه السلام للوجه، وبما بيّنّا من أنّ المراد هل كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله علم غير التعليمات ، وقوله عليه السلام : «فسيقولون : لا» ظهر أنّ العلم الذي الكلام فيه هو ما عدا العلوم العقليّة البرهانيّة .
قوله : (فهل كانَ لما عَلِمَ بُدّ من أن يُظْهِرَ) .[ح ۱ / ۶۴۵]
هذا أيضا ممّا يدلّ على أنّ العلم الذي الكلام فيه علم الاحكام المتعلّقة بأفعال المكلّفين .
قوله : (فَقُلْ لهم ما يَعْلَمُ [تأويلَه إلّا اللّهُ]) . [ح ۱ / ۶۴۵]
المراد أنّ ما أظهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله من العلم الذي اعترفتم بأنّه لا اختلاف فيه الكتاب المجيد ، وفيه بالنصّ القاطع ماله تأويل لا يعلمه إلّا اللّه والراسخون في العلم، فيجب على العباد أن يطلبوهم ويتعلّموا منهم تأويله حتّى يأمنوا من المخالفة .
قوله : (فهل بَلَّغَ أولا ؟) . [ح ۱ / ۶۴۵]
لمّا تبيّن قُبيلَ هذا أنّ الكلام في علم الحلال والحرام والذي لابدّ للعباد منه، ظهر لزوم الاعتراف بالتبليغ ؛ فلذا قال عليه السلام : «فإن قالوا : قد بلّغ» ثمّ فرّع على ذلك أنّ العقول مجبولة على الحكم بأنّ من كان خليفته صلى الله عليه و آله فهو أحقّ بأن يعلم ما بلّغ من غيره حتّى يحكم بحكمه، فهو أيضا من الراسخين في العلم الذين لا اختلاف في علمهم ، وهذا هو الذي يدّعيه الفرقة المحقّة .
قوله عليه السلام : (فإن قالوا : لا) . [ح ۱ / ۶۴۵]
يعني إن كابروا العقل، وجوّزوا أن يكون الخليفة غير عالم بجميع ما بلّغ ممّا يحتاج إليه العباد ، لزمهم تجويز عدم علم غير الخليفة بالطريق الأولى ، فيكون التبليغ كما لا تبليغ ؛ لعدم انتفاع أحد به ، فيكون قد ضيّع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من في أصلاب الرجال .

1.النجم(۵۳) : ۳ ـ ۴ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 128049
صفحه از 637
پرینت  ارسال به