551
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

للمخاطبين واستهانةً بالدنيا وسلطانها، وتعريضا بأنّ هذا الإيتاء ليس من باب اللطف والرحمة ، بل من باب الاستدراج والإملاء ، كما قال عزّ من قائل : «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ»۱ وقال : «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْما وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ»۲ .
مع ما في هذا الإسناد من الإشارة إلى أنّهم لم يكونوا مفوّضين بحيث يمكنهم أن يصيروا بمجرّد إعطاء القدرة مستطيعين لمخالفة مشيّة اللّه العزميّة، أي أوامره ونواهيه ، بل أزمّة الاُمور كلّها بيد جبروته، لا يستطيع أحد فعلاً : طاعة كانت أو معصية، أي لا يتمّ علّيّته لذلك الفعل إلّا بمشيّة اللّه الحتميّة التي هي إكمال جميع ما يتوقّف عليه هيجان إرادة العبد وتحقّق المراد، فلا يكون الإقدار موجبا للخروج عن سلطان الملك الجبّار طرفة عين.
وقوله عليه السلام : (واحدةٌ مُقَدِّمِةٌ) . [ح ۱ / ۶۴۵]
الأظهر عندي أنّ تأنيث «واحدة» على أنّها صفة لمصيبة، أي المذكورة في الآية السابقة، أعني قوله تعالى : «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»۳ الآية ، فكأنّه عليه السلام يقول : إنّ الفقرة الاُولى إشارة إلى وقوع مصيبة متعلّقة بنا في الدنيا رحمة لنا ، والثانية إشارة إلى وقوع مصيبةٍ متعلّقة بهم في الآخرة غضبا عليهم، واحدة من المصيبتين مقدّمة ، وهي استدراج اللّه إيّاهم المنشأ لتسلّطهم علينا وغصب حقوقنا بسوء اختيارهم ، المستند إلى خبث طينتهم واستحقاقهم بذلك للعذاب الدائم ، وواحدة مؤخّرة ، وهي مصيبتنا المتأخّرة على ذلك الاستدراج .
ويحتمل أن يكون التأنيث باعتبار موصوف مقدّر ، أي حكومة واحدة مقدّمة ، وهي التي جعلها اللّه تعالى لعليّ عليه السلام يوم أخذ الميثاق ويوم الغدير ، وحكومة اُخرى مؤخّرة ، وهي التي آتاهم اللّه تعالى بعد رحلة النبيّ صلى الله عليه و آله استدراجا ؛ نعوذ باللّه من ذلك .

1.الأعراف (۷) : ۱۸۳ .

2.آل عمران (۳) : ۱۷۸ .

3.الحديد (۵۷) : ۲۲ ـ ۲۳.


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
550

يكون تقدير الكلام : فلمّا آتى اللّه آدم وحوّا الولد الصالح الذي تمنّياه وطَلَباه ، جعل كفّارة أولادهما ذلك مضافا إلى غير اللّه ، ويقوّي هذا التأويل قوله : «فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» وهذا ينبئ على أنّ المراد بالتثنية ما أردناه من الجنسين أو النوعين ، وليس يجب ـ من حيث كانت الكناية المتقدّمة راجعة إلى آدم وحوّا ـ أن يكون جميع ما في الكلام راجعا إليهما ؛ لأنّ الفصيح قد ينتقل من خطاب مخاطب إلى غيره، ومن كناية إلى خلافها ؛ قال اللّه تعالى : «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ»۱ فانصرف من مخاطبة الرسول إلى مخاطبة المرسل إليهم ، وقال : «وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ» يعني الرسول صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال: «وتُسَبِّحوُهُ»۲ يعني مُرسِل الرسول ، فالكلام واحد متّصل بعضُه ببعض ، والكناية مختلفة كماترى ۳ .
أقول : ثمّ استشهد لهذا الباب بعدّة أشعار للفصحاء القدماء .
قوله : («لاَ تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ»۴، ممّا خُصَّ به علىٌّ عليه السلام ) . [ح ۱ / ۶۴۵]
يعني أنّ قوله سبحانه : «لا تأسوا» خطابٌ لنا ، يقول: يا ذرّيّة محمّد ، لا تحزنوا على ما فاتكم وخرج من أيديكم في الظاهر ، وهو ما خصّ به أبوكم عليّ عليه السلام من ولاية الأمر .
وقوله : «ولا تفرحوا» خطاب لفلان وأصحابه : الثاني و الثالث والمقتفين لأثرهما ، يقول : يا فراعنة آل محمّد ، لا تفرحوا بما آتيناكم من الملك الزائل في أيّامٍ قلائل . و إسناد الإيتاء إليه تعالى مصداق قوله تعالى : «تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ»۵ .

نزع و ايتاءش بوفق حكمت استهر يكى گاهى غضب گه رحمت است
وما يتراءى في ذلك من الإشكال ينحلّ بما سبق في أبواب كتاب التوحيد وتعليقاتنا عليه ، ثمّ إنّ في قوله سبحانه : «لاَ تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ» لتعزيةً و تسليةً للمخاطبين به ، ووعدا بإعطاء ما هو خير وأبقى، كما أنّ في قوله تعالى : «وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ» تهديدا

1.الحديد (۵۷) : ۲۳ .

2.الفتح (۴۸) : ۸ ـ ۹ .

3.الفتح (۴۸) : ۹ .

4.تنزيه الأنبياء، ص ۲۹ و ۳۰.

5.آل عمران (۳) : ۲۶ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127782
صفحه از 637
پرینت  ارسال به