بها لعذّبهم في الدنيا وأهلكهم كافّة ، وذلك ليعذّبهم في الآخرة عذابا أليما بسبب جحودهم وإنكارهم إيّاها ، وذلك الدفع أو كمال عذاب الآخرة لمن علم اللّه تعالى أنّه لا يتوب عن إنكاره ولا يرجع عنه إلى الإيمان بها ، وهذا الدفع مثل ما يدفع اللّه بالمجاهدين في سبيله [عن القاعدين ]هلاكهم بسيوف المشركين أو بعقوبته ۱ .
أقول : قوله طاب ثراه : «وذلك الدفع» يعني ذلك الدفع المعلّل بأنّه لكمال عذاب الآخرة ، لا مطلق الدفع ؛ إذ لا اختصاص له بكونه لمن يعلم أنّه يتوب .
قوله : (فما يَحْدُثُ لهم في ليالي القَدْرِ عِلْمٌ) اِلى آخره . [ح ۸ / ۶۵۲]
على تقدير همزة الاستفهام ، أي أفما يحدث لهم علم غير ما علموا ؛ فالفاء للتعقيب ، أو على سبيل الاستشكال ، أي فعلى هذا لا يحدث لهم غير ما علموا ، وهو محال ، فالفاء للتفريع .
وكيف كان ، يكون المراد بقوله عليه السلام : (هذا ممّا اُمروا بكتمانه) أنّ جواب هذا السؤال أو ممّا ينحلّ به الإشكال ممّا اُمر الأوصياء عليهم السلام بكتمانه وعدم إظهاره لأمثالكم .
وفي لفظ الكتمان دلالة على علمهم بذلك ، ولا تنافي بينه وبين قوله صلى الله عليه و آله : (ولا يَعْلَمُ تَفسيرَ ما سألتَ عنه إلّا اللّهُ) إذ المقصد أنّ كشف هذا المسؤول ليس ممّا يتيسّر بالعقول ، بل إنّما هو بالتعليم الإلهي ؛ إذ لا يعلم ذلك إلّا اللّه ، كما أنّ تأويل القرآن لا يستتبّ بالعقول ؛ إذ لا يعلمه إلّا اللّه أو الذين علّمهم اللّه من الراسخين في العلم .
وبهذا يظهر وجه الجمع بين الوقف في آية «مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ»۲ على اللّه ، كما دلّ عليه بعض خطب أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ۳ و توحيد الصدوق ۴ طاب ثراه ، وبين الوقف على الراسخين في العلم ، كما دلّت عليه روايات الكليني طاب ثراه ۵ ، وقد بيّنّا ذلك في كتاب العقل في شرح رواية هشام بن الحكم ، وقد كتب في هذا المقام بعض المشتغلين إليّ ما هذه عبارته :
في قوله : «قال السائل : فما يحدث» إلى آخره ، يحتمل الكلام أن يكون استفهاميا أو
1.شرح اُصول الكافي للمازندراني، ج ۶ ، ص ۱۷.
2.آل عمران (۳) : ۷.
3.نهج البلاغة، ص ۲۰۱، الخطبة ۱۴۴.
4.التوحيد، ص ۵۳، ح ۱۳.
5.راجع: الكافي، ج ۱، ص ۲۱۳، باب أنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة عليهم السلام .