563
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وانحلال هذا الإشكال بتذكرّ ما سبق في كتاب التوحيد وحواشينا الرافعة لغواشيه ، والذي نقول هاهنا : أنّ إخبار اللّه تعالى لجبرئيل بشيء قد يكون بإثبات ذلك الشيء في لوح مخصوص هو أعلم بحقيقته ، والأمرِ بتنزّل جبرئيل عليه السلام به على رسوله ، وربما يمحو ذلك المثبت بعد التنزّل به كما قال عزّوجلّ : «يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ»۱ وذلك المحو للإيذان بأنّ الشيء لا يتمّ له الوجود في الأعيان ، والإثبات المشعر بأنّه سيقع لِحِكَم كثيرة يعلم بعضها بإخبار الصادقين عليهم السلام ، وذلك المحو والإثبات هو البداء الذي القول به من ضروريّات مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وإذ ثبت جواز محو بعض ما ثبت ، فليس كلّ ما في ذلك اللوح ممّا شاء بالمشيّة الحتميّة التي لا يقع شيء في حيطة التحقّق ، فعلاً كان أو تركا ، طاعة كانت أو معصية إلّا بها كما سبق تحقيقه ، فما أخبر به جبرئيل عليه السلام تحقّقه تحت سلطان المشيّة ، فيمكن أن يقع فيه البداء ، وإن كان ظاهرُ الإخبار ـ بالكسر ـ أنّه سيتحقّق.
إذا تمهّد ذلك فنقول: غاية الأمر ـ بناء على هذه الاُصول الأصيلة ـ أنّهم عليهم السلام كانوا عالمين بشهاداتهم على الوجه المعيّن علما مستندا بإخبار الرسول ، المستند بإخبار جبرئيل ، المستند بإثبات اللّه تعالى في اللوح ، وإذ كانوا عليهم السلام مجوّزين للبداء فيما أخبروا به إلى حين نزول التخيير ، فلم يكن المخيّر فيه متعيّنا في نظرهم حتّى ينافي التخيير.
وأمّا التعيّن في علم اللّه تعالى فهو غير مُناف له ؛ لأنّ الغرض منه بروز ما كمن في ذواتهم المقدّسة من أمر الاختيار ليظهر يوم تُبلى السرائر وجه الاصطفاء وعلّة الاجتباء ، ثمّ إنّك إذا أحطت بما تلونا لك ، علمت أنّ الأصوب في تقرير السؤال في هذا الحديث أن يقال : إنّ هذه الاُمور تدلّ على أنّ الإمام عليه السلام كان عالما بأنّ القضيّة قد تعيّنت، ولابدّ منه ولا محيص عنه ، والقول بهذا ممّا لا يجوز ولا يحلّ ولا يحسن ؛ لأنّه يفضي إلى القول بأنّه عليه السلام لم يكن قادرا على عدم المشي إلى المسجد ؛ إذ كان المشي متعيّنا من جهة اللّه ، وكذا ترتّب الواقعة على ذلك المشي ، فلم يكن مشيه إلى المسجد ولا صلاته

1.الرعد (۱۳): ۳۹.


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
562

التَّهْلُكَةِ» 1 فأجابه عليه السلام بأنّه ـ أو صلوات اللّه عليه ـ خُيّر في تلك الليلة ، أي جعل إليه الأمر بأن يختار لقاء اللّه أو البقاء في الدنيا ، فاختار لقاء اللّه ، فسقط عنه وجوب حفظ النفس 2 .
انتهى كلام صاحب الوافى¨ .
أقول : مَثَل ذلك مَثَل أن يكون بينك وبين معشوقك طريقان : أحدهما قريب إن سلكته وصلت إليه في أقرب الزمان ، ولكن تشاك ويتمزّق ثيابك ويتخدّش إهابك ، والآخر بعيد خال من تلك المضارّ ، ولكن يؤخّرك عن المزار ، فخيّرك المعشوق في الوصول إليه بين الطريقين ، فتختار القريب ولا تبالي بما يعرض لك في البين ، ولقد أحسن وأجاد ونظم وأفاد (شعر) :

بدم المحبّ يُباع وصلهُمُفاسمح بنفسك إن أردت وصال
قال عزّ من قائل : (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدا عَلَيْهِ حَقّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْاءِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» 3 .
وفي مثنوي شيخنا البهائي قدس سره المسمّى ب «نان وحلوا» :

ابذلوا أرواحكم يا عاشقينإن تكونوا في هوانا صادقين
تا نسازى بر خود آسايش حرامكى توانى زد به راه عشق گام
نيست اندر راه عشق آسودگىسر بسر در دشت و خون پالودگى
غير نا كامى درين ره كام نيستراه عشق است ، اين رَهِ حمّام نيست
كوى دولت آن سعادتمند بردكو به پاى دلبرخود جان سپرد
هذا ، ثمّ إنّ في هذا الحديث وما يأتي بعده إشكالاً آخر ، و هو أنّه قد تظافرت الأخبار بأنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا عالمين بشهادتهم وكيفيّتها وأزمنتها وأمكنتها والمباشرين لها بإخبار رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عن الباري عزّ اسمه وتعالى شأنه ، فما معنى التخيير في أمر قد تعيّن فيما قبل ؟

1.البقرة (۲) : ۱۹۵ .

2.الوافي، ج ۳، ص ۵۹۴ ـ ۵۹۵.

3.التوبة (۹) : ۱۱۱ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103614
صفحه از 637
پرینت  ارسال به