الجيم : «أنّه صلى الله عليه و آله قال في مرضه: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلّون بعدي. فقالوا: ما شأنه ؟ أهجر ، أي أهذي ؟ يُقال: هجر يهجر هجرا : إذا هذي ، وأهجر : أفحش» ۱ انتهى .
أقول : قد استفاض من نقلة الآثار من العامّة والخاصّة أنّ ابن الخطّاب هو الذي ردّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك ونسبه إلى الهذيان ، ولعلّ هذا الفاضل لمّا تفطّن لأنّ هذه الكلمة صريحة في كفر قائلها ، غيّر الاُسلوب وأبهم القائل فرارا من الافتضاح ، ولم يتبيّنه بأنّ من استشمّ رائحة العقل علِمَ أنّ الذي سمّى مثل هذا النصح بالهذيان من هو ، ولأيّ غرض أقدم على هذا ، وفي المثل السائر : إذا وضع البيطار مكواته في النار تفطّن البغل الشموس ؛ لأنّ المقصود كيّه .
وممّا يشهد ما قلناه من أنّ القائل هو ذاك ما قال فاضلهم ومتتبّعهم ابن الأثير في النهاية حيث فسّر الهجر أوّلاً بالهذيان والفحش والتخليط ، ثمّ قال :
ومنه حديث مرض النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : ما شأنه ؟ اهجر ؟ أي اختلط كلامه على سبيل الاستفهام ، أي هل تغيّر كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ؟ هذا أحسن ما يقال فيه ، ولا تجعل إخبارا فيكون إمّا من الفحش أو الهذيان ، والقائل كان عمر ولا يظنّ به ذلك ۲ . انتهى .
وفي شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة في شرح قوله عليه السلام : «للّه بِلادُ فُلانٍ فلقد قَوَّمَ الأوَدَ» :
روى ابن عبّاس قال : دخلت على عمر في أوّل خلافته ، وقد اُلقي له صاع من تمر على خصفة ، فدعاني إلى الأكل ، فأكلت تمرة واحدة ، فأقبل فأكل حتّى أتى عليه ، ثمّ شرب من جر كان عنده ، واستلقى على مرفقة له ، وطفق يحمد اللّه ، يكرّر ذلك .
ثمّ قال : من أين جئت يا عبد اللّه ؟ قلت: من المسجد ، قال : كيف خلّفت ابن عمّك ؟ فظننته يعني عبد اللّه بن جعفر ، قلت : خلّفته يلعب مع أترابه ، قال : لم أعن ذلك ، إنّما عنيت عظيمكم أهل البيت . قلت : خلّفته يمسح بالغرب على نخيلات من فلان