587
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

العلم إلّا روي عنه عليه السلام فيه أبواب ، وكذلك كانت حال ابنه موسى عليه السلام من بعده في إظهار العلوم إلى أن حبسه الرشيد ومنعه من ذلك .
وقد انتشر أيضا عن الرضا وابنه أبي جعفر عليه السلام من ذلك ما شهرة جملته يغني عن تفصيله ، وكذلك كان سبيل أبي الحسن وأبي محمّد العسكرييّن عليهماالسلام ، وإنّما كانت الرواية عنهما أقلّ لأنّهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ، ممنوعين من الانبساط في الفتيا ، وأن يلقاهما كلّ أحد من الناس .
وإذا ثبت بما ذكرنا بينونة أئمّتنا عليهم السلام بما وصفنا عن جميع الأنام ـ ولا يمكن أحد أن يدّعي أنّهم أخذوا العلم عن رجال العامّة ، أو تلقّوه من رواتهم وفقهائهم ؛ لأنّهم لم يُروا قطّ مختلفين إلى أحدٍ من العلماء في تعلّم شيء من العلوم ؛ لأنّ ما اُثر عنهم من العلوم فإنّ أكثره لم يُعرف إلّا منهم ، ولم يظهر إلّا عنهم ، وعلمنا أنّ هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم مع غناهم عن سائر الناس ، وتيقّنا زيادتهم في ذلك على كافّتهم ، ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم ـ ثبت أنّهم أخذوها عن النبيّ صلى الله عليه و آله خاصّة ، وأنّه قد أفردهم بها ليدلّ على إمامتهم بافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه وغناهم عنهم ، وليكونوا مفزعا لاُمّته في الدين ، وملجأً لهم في الأحكام ، وجروا في هذا التخصيص مجرى النبيّ صلى الله عليه و آله في تخصيص اللّه له بإعلامه أحوال الاُمم السالفة ، وإفهامه ما في الكتب المتقدّمة من غير أن يقرأ كتابا ، أو يلقى أحدا من أهله .
هذا ؛ وقد ثبت في الاُصول أنّ الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول ، وقد بيّن اللّه ذلك بقوله : «أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّى إِلَا أَنْ يُهْدَى»۱ ؛ وقوله : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»۲ .
ودلّ بقوله سبحانه في قضيّة طالوت : «وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ»۳ أنّ التقدّم في العلم والشجاعة موجب للتقدّم في الرياسة ، ولقد كان أئمّتنا عليهم السلام أعلم الاُمّة بما ذكرناه ، فقد ثبت أنّهم أئمّة الإسلام الذين استحقّوا الرياسة على الأنام على ما قلناه ۴ . انتهى .

1.يونس (۱۰) : ۳۵ .

2.الزمر (۳۹) : ۹ .

3.البقرة (۲) : ۲۴۷ .

4.إعلام الورى، ص ۴۰۹ ـ ۴۱۱.


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
586

قال قدس سره :
المعوّل عليه في تصحيح إمامة أكثر أئمّتنا عليهم السلام النظر والاعتبار ، دون تواتر الأخبار ؛ لأنّهم عليهم السلام كانوا في زمان الخوف وشدّة التقيّة والاضطرار ، ولم يتمكّن شيعتهم من ذكر فضائلهم التي تقتضي إمامتهم ، فضلاً عن ذكر ما يُوجب فرض طاعتهم ، ويبيّن عن تقدّمهم على جميع الخلائق ۱ .
وقال في الركن الرابع من الفصل الذي عقده لذكر جمل من الدلائل على إمامة الأئمّة عليهم السلام ، وقد حكينا بعضها في باب الاُمور التي توجب حجّة الإمام :
أحد الدلائل على إمامتهم عليهم السلام ما ظهر منهم من العلوم التي تفرّقت في فرق العالم ، فحصل في كلّ فرقة فنّ منها ، واجتمعت فنونها وسائر أنواعها في آل محمّد عليهم السلام ؛ ألاترى إلى ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في أبواب التوحيد ، والكلام الباهر المفيد من الخطب و علوم الدين و أحكام الشريعه و تفسير القرآن و غير ذلك ما زاد على كلام جميع الخطباء والبلغاء والفصحاء ، حتّى أخذ عنه المتكلّمون والفقهاء والمفسِّرون ، ونقل أهل العربيّة عنه اُصول الإعراب ومعاني اللغات ، وقال في الطبّ ما استفاد منه الأطبّاء ، وفي الحكمة والوصيّة والآداب ما أربى على كلام جميع الحكماء ، وفي النجوم وعلم الآثار ما استفاده جميع أهل الملل والآراء .
ثمّ قد نقلت الطوائف عمّن ذكرنا من عترته وأبنائه عليهم السلام مثل ذلك من العلوم في جميع الأنحاء ، ولم يختلف في فضلهم وعلوّ درجتهم من أهل العلم اثنان ؛ فقد روي عن الباقر والصادق عليهماالسلاملمّا تمكّنا من الإظهار وزالت عنهم التقيّة التي كانت على سيّد العابدين عليه السلام من الفتاوى في الحلال والحرام والمسائل والأحكام ، وروي عنهما من علوم الكلام وتفسير القرآن وقصص الأنبياء والمغازي والسير وأخبار العرب وملوك الاُمم ما سمّي أبو جعفر عليه السلام لأجله «باقر العلوم» .
وروى عن الصادق عليه السلام في أبوابه من مشهوري أهل العلم أربعة ألف إنسان ، وصنّف من جوابه في المسائل أربعمائة كتاب هي معروفة بكتب الاُصول رواها أصحابه ، وأصحاب أبيه من قبله ، وأصحاب ابنه أبي الحسن موسى عليه السلام ، ولم يبق فنّ من فنون

1.إعلام الورى، ص ۲۵۷.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103696
صفحه از 637
پرینت  ارسال به