العلم إلّا روي عنه عليه السلام فيه أبواب ، وكذلك كانت حال ابنه موسى عليه السلام من بعده في إظهار العلوم إلى أن حبسه الرشيد ومنعه من ذلك .
وقد انتشر أيضا عن الرضا وابنه أبي جعفر عليه السلام من ذلك ما شهرة جملته يغني عن تفصيله ، وكذلك كان سبيل أبي الحسن وأبي محمّد العسكرييّن عليهماالسلام ، وإنّما كانت الرواية عنهما أقلّ لأنّهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ، ممنوعين من الانبساط في الفتيا ، وأن يلقاهما كلّ أحد من الناس .
وإذا ثبت بما ذكرنا بينونة أئمّتنا عليهم السلام بما وصفنا عن جميع الأنام ـ ولا يمكن أحد أن يدّعي أنّهم أخذوا العلم عن رجال العامّة ، أو تلقّوه من رواتهم وفقهائهم ؛ لأنّهم لم يُروا قطّ مختلفين إلى أحدٍ من العلماء في تعلّم شيء من العلوم ؛ لأنّ ما اُثر عنهم من العلوم فإنّ أكثره لم يُعرف إلّا منهم ، ولم يظهر إلّا عنهم ، وعلمنا أنّ هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم مع غناهم عن سائر الناس ، وتيقّنا زيادتهم في ذلك على كافّتهم ، ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم ـ ثبت أنّهم أخذوها عن النبيّ صلى الله عليه و آله خاصّة ، وأنّه قد أفردهم بها ليدلّ على إمامتهم بافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه وغناهم عنهم ، وليكونوا مفزعا لاُمّته في الدين ، وملجأً لهم في الأحكام ، وجروا في هذا التخصيص مجرى النبيّ صلى الله عليه و آله في تخصيص اللّه له بإعلامه أحوال الاُمم السالفة ، وإفهامه ما في الكتب المتقدّمة من غير أن يقرأ كتابا ، أو يلقى أحدا من أهله .
هذا ؛ وقد ثبت في الاُصول أنّ الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول ، وقد بيّن اللّه ذلك بقوله : «أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّى إِلَا أَنْ يُهْدَى»۱ ؛ وقوله : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»۲ .
ودلّ بقوله سبحانه في قضيّة طالوت : «وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ»۳ أنّ التقدّم في العلم والشجاعة موجب للتقدّم في الرياسة ، ولقد كان أئمّتنا عليهم السلام أعلم الاُمّة بما ذكرناه ، فقد ثبت أنّهم أئمّة الإسلام الذين استحقّوا الرياسة على الأنام على ما قلناه ۴ . انتهى .