التقيّة خوفا من سلاطين أزمانهم والعوامّ المقلّدة . ويظنّ ذلك بأكثر فضلاء أهل السنّة الذين آثار الحذق والفطانة لائحة من مصنّفاتهم .
ولا تقل : إنّهم ذكروا في كتبهم ما لا يدعو له التقيّة ؛ لأنّ لها أسبابا خفيّة : منها أن يسجلُوا عند السلاطين وغيرهم من المتعصّبين على تسنّنهم ورفع تهمة التقيّة عنهم .
وإنّما حصرنا في هذين الصنفين؛ لأنّ الاشتباه ممّا لا مجال فيه بعد حصول أدني تتبّع لأحوال السلف .
نعم ، زمان سيّد الساجدين عليه السلام مظانّ تطرّق الشبهة؛ لأنّه كان معاصرا لمحمّد بن الحنفيّة رضى الله عنه و هو ذو جلالة الشأن ، و أكبر ولد أميرالمؤمنين عليه السلام ـ ولزيد بن الحسن وأخيه الحسن بن الحسن ، وهما أيضا ممّن للشبهة في أمرهم مجال ، ونفي صلاحيّتهم للإمامة يحتاج إلى دليل ، فاحتيج إذن في تحقيق المستحقّ والتمييز بين المبطل والمحقّ إلى نظر واعتبار ، فنظرنا فإذا عليّ بن الحسين عليهماالسلام قد ظهر منه آثار توجب القطع بأنّه هو الوارث للعُلوم النبويّة ، والعلم من أوضح العلامة للأولى بالإمامة ؛ إذ به احتجّ اللّه تعالى على الملائكة حين ظنّوا الأولويّة بالخلافة ، وقالوا : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»۱ وذلك لأنّ مرجع الجواب إلى أنّ جوهر آدم هو القابل لتعلّم الأسماء بلا توسّطٍ ، بخلاف الملائكة ، وكذلك بالعلم احتجّ نبيّ من الأنبياء على قومه حيث [قال :] «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ»۲ ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «واعجبا أترون أنّ اللّه سبحانه زاد ابن أبي سفيان على بسطة في العلم والجسم ؟» نقله الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج ۳ ؛ هذا.
وأمّا الآثار فمن أبينها وأشهرها ـ الذي لا يستطيع أحد من المخالف والمؤالف