589
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

التقيّة خوفا من سلاطين أزمانهم والعوامّ المقلّدة . ويظنّ ذلك بأكثر فضلاء أهل السنّة الذين آثار الحذق والفطانة لائحة من مصنّفاتهم .
ولا تقل : إنّهم ذكروا في كتبهم ما لا يدعو له التقيّة ؛ لأنّ لها أسبابا خفيّة : منها أن يسجلُوا عند السلاطين وغيرهم من المتعصّبين على تسنّنهم ورفع تهمة التقيّة عنهم .
وإنّما حصرنا في هذين الصنفين؛ لأنّ الاشتباه ممّا لا مجال فيه بعد حصول أدني تتبّع لأحوال السلف .
نعم ، زمان سيّد الساجدين عليه السلام مظانّ تطرّق الشبهة؛ لأنّه كان معاصرا لمحمّد بن الحنفيّة رضى الله عنه و هو ذو جلالة الشأن ، و أكبر ولد أميرالمؤمنين عليه السلام ـ ولزيد بن الحسن وأخيه الحسن بن الحسن ، وهما أيضا ممّن للشبهة في أمرهم مجال ، ونفي صلاحيّتهم للإمامة يحتاج إلى دليل ، فاحتيج إذن في تحقيق المستحقّ والتمييز بين المبطل والمحقّ إلى نظر واعتبار ، فنظرنا فإذا عليّ بن الحسين عليهماالسلام قد ظهر منه آثار توجب القطع بأنّه هو الوارث للعُلوم النبويّة ، والعلم من أوضح العلامة للأولى بالإمامة ؛ إذ به احتجّ اللّه تعالى على الملائكة حين ظنّوا الأولويّة بالخلافة ، وقالوا : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»۱ وذلك لأنّ مرجع الجواب إلى أنّ جوهر آدم هو القابل لتعلّم الأسماء بلا توسّطٍ ، بخلاف الملائكة ، وكذلك بالعلم احتجّ نبيّ من الأنبياء على قومه حيث [قال :] «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ»۲ ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «واعجبا أترون أنّ اللّه سبحانه زاد ابن أبي سفيان على بسطة في العلم والجسم ؟» نقله الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج ۳ ؛ هذا.
وأمّا الآثار فمن أبينها وأشهرها ـ الذي لا يستطيع أحد من المخالف والمؤالف

1.البقرة (۲) : ۲۴۷ .

2.البقرة (۲) : ۳۰ .

3.الاحتجاج، ج ۱، ص ۱۷۳؛ الارشاد، ج ۱، ص ۲۶۳، مع اختلاف يسير.


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
588

وأنا أقول مقتفيا أثرهما مثلّثا لهما وثالثهما كلبهما :
أمّا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وابنيه الحسن والحسين عليهماالسلام فقد كفانا مؤونة إثباتهما اشتهارُ محامدهم وفضائلهم ، وما فعل سامريّ هذه الاُمّة من نصب العجل الخبيث يوم السقيفة ، وتظاهر جمع من العجليّين على استضعاف من هو من الرسول بمنزلة هارون من موسى ، ولقد قلت في مرثيتي للحسين عليه السلام نظما ونثرا .
(نثر) : اُنظر كيف ثار بهم النفاق حتّى ذهبوا لطلب المأمول ، والرسول مضطجع على الفراش غير مدفون ولا مغسول ، سبحان اللّه ما أجرأ السارقين ، حيث خرجوا قبل استتار القرص من الكمين .
(نظم) :

مضوا وطغا ما ابتعوهم ليخرجوالهم عجلاً كالسامريّ الذي مضى
خطأت لعمري حيث شبّهتهم بهوقانون أرباب البيان يعكس ذا
إذا قست أمر السامري بأمرهموجدت إذن سرّ الذي قلت قد بدا
(نثر) : إنّ السامري صبر على الدين ثلاثين يوما بعد غيبة موسى ورجاله ، وأصحاب السقيفة لم يصبروا يوما واحدا بعد رحلة المصطفى صلى الله عليه و آله ،لم يتولّد من بدعة السامري بدعة أو ظلم قطّ ، ونتائج بدعة أصحاب السقيفة كولد إبليس لا تحاط ولا تضبط . وبالجملة : ظهور الأحوال بحيث لم يبق للشبهة مجال .
(شعر) :

شجو حسّادهم وغيظ عداهمأن يرى مبصر ويسمع واع
ولم ينازعهم إلّا جمع من المتصنّعين بالإسلام ، المنقلبين على أعقابهم الذين افتضحوا بقبائح أفعالهم بين جميع الأنام ، وصاروا موضع الطعن ومواقع اللعن إلى يوم القيامة ، فنحن مستغنون بحمد اللّه عن إثبات بطلانهم ، وتحقيق مستحقّي الإمامة في أزمانهم ، ولشدّة ظهور الأمر استقرّ رأيي على أنّ مُظهري الاعتقاد باُولئك الكفرة الفجرة ـ إذا كانوا من أرباب الفحص والبحث والاطّلاع بأحوال الصحابة والتابعين ـ فإمّا جاحدوا الحقّ عمدا لخبث طينتهم التي هي من طينة طواغيتهم ، أو مستعملوا

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103673
صفحه از 637
پرینت  ارسال به