مناظريهم الموعودين بالبرّ والصلة مبكمين بعد يسير من المناظرة ، مسلّمين لبراهينهم عليهم السلام ، معترفين ببطلان دينهم عاجزين ـ إذا أوردوا عليهم السلام الاعتراضات ـ عن الجواب ، مسترشدين منهم عليهم السلام منهج الصدق والصواب ، كما هو مشهور من قصّة عمران الصابي وسليمان المروزي ويحيى بن أكثم وأضرابهم ، وأيّ سبيل كان لهؤلاء الظلمة أقرب إلى المراد من أن يقولوا لهم عليهم السلام : إنّ علومكم التي تستمحون لأجلها، وتدّعون وراثتها عن النبيّ صلى الله عليه و آله مأخوذة من فلان الفقيه ، أو فلان المتكلّم ؛ لأنّ أباكم الذي هو أقدمكم فيها كان تلميذا له لو كان الواقع ذلك ، ولمعري إنّهم ما أعرضوا عن سلوك هذا السبيل القريب إلاّ لعلمهم بتوجّه سهام التكذيب من كلّ بليد و لبيب .
وإذا تقرّر أنّ علم الباقر عليه السلام لم يكن من جهة التلمّذ ، بل كان من جهة الوراثة ، تبيّن كمال علم أبيه عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وبنحو التقريب المذكور علم أنّه ورث عن أبيه عن عمّه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يخرج عن محمّد بن الحنفيّة ولا عن غيره من بني الحسن ـ رضي اللّه عنهم ـ ما يظنّ به وراثة العلم ، بل كان الصالح منهم مقلّد الإمامة مستندا إليه في أحكامه ، والطالح منهم موافقا لعلماء العامّة في العمل بالرأي والقياس وسائر وجوه الاستنباطات الظنّيّة والاستحسانات العقليّة ، كما هو مشهور بين فرق الزيديّة حتّى أنّهم لمّا رأوا أبا حنيفة أعلم من أئمّتهم وأعرف بفنّ القياس منهم بنوا بناء العمل بفقهه ، واعترفوا بأنّ أئمّتهم لم يكونوا أصحاب النصّ كأئمّتنا عليهم السلام .
فثبت أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام من بين هؤلاء هو الوارث للعلوم النبويّة ، فكان هو المستحقّ للإمامة والرئاسة على الاُمّة ؛ لما عرفت أنّ مناط الإمامة والخلافة هو العلم ، و إنّى واللّه شاهد عليّ فرضت نفسي قد استبصرت بحقّيّة الإسلام ، وأنا نشأت بين فرقة من فرق الكفر ، فخرجت إلى بلاد المسلمين فوجدت المسلمين مختلفين، ففحصت عن أحوالهم واُصولهم في الاعتقادات والأعمال ، ثمّ حكّمت العقل في اختيار مذهب من تلك المذاهب لأحتجّ بذلك يوم ألقى اللّه عزّوجلّ ، فما حكم عقلي بعد الاطّلاع بحقيقة المذاهب إلّا بحقّيّة المذهب الفرقة الناجية الاثني عشريّة ، وذلك لأنّي وجدت