85
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الثلاثة دليل لأحكام الشرع قسيمٌ للكتاب ، فكما أنّه يتميّز الخبر بموافقة الكتاب ، كذلك يتميّز بموافقة الرأي والقياس والاستحسان . والمصنّف ـ طاب ثراه ـ أراد بقوله : «لايجوز تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه برأيه» هذا النوعَ من التمييز ، ونظره إلى أبي حنيفة وأمثاله.
وقوله : «إلّا على ما أطلقه العالم عليه السلام بقوله» ثمّ تعداد الوجوه المذكورة قصر إضافي لا حقيقي بشهادة أنّه ـ طاب ثراه ـ زاد عليها في باب اختلاف الحديث ، فما ذكر هاهنا على سبيل التمثيل، وأوسعيّة العمل بأيّما أخذتم ظاهر .
وأمّا توجيه أحوطيّته مع التمكّن من بعض وجوه الترجيح ، فبعد ذكر ما وصل إلينا عنهم عليهم السلام في أمر الترجيح فنقول : إنّ جميع ما ورد في هذا الباب منحصر في قسمين :
قسم يفيد استعمال العلم بصدق متضمّن أحد الخبرين المعارضين وكذب الآخر ، وقسم لا يفيد استعماله العلم ؛ عسى أن يفيد بعض أصنافه الظنّ .
والأوّل مثل العَرْض على آية من القرآن عُلم مراد اللّه بها من جهة ، كما في ضروريّ دين الإسلام ، مثل آية : «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَـمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـنِ فَاجْتَنِبُوهُ»۱ ، أو ضروريّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ، مثل آية : «وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»۲ ، وهذا هو المراد فيما يأتي من قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «ما يوافق القرآن فأنا قلته ، وما يخالف القرآن فلم أقله» . ۳ وفي حديث آخر «فهو زخرف» . ۴
وفي حكم العَرْض على الآية الموصوفة العرضُ على السنّة إذا كانت بالوصف المذكور ، سواءً كانت حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو حديث أحد من الأئمّة عليهم السلام .
وأمّا آية أو حديث لم يعلم المراد بهما، ولكن كان ظاهرا في معنى، فالعرض للاعتضاد وحصول الاطمئنان . وكذا الأمر في سائر الوجوه المأثورة ، مثل أخذ مخالف العامّة . كذا قيل .

1.المائدة (۵) : ۹۰ .

2.المائدة (۵) : ۶ .

3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۶۹ ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ۵ .

4.المصدر ، ح ۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
84

قال : الثالث : الاستقراء . وفي الشرح : الثالث من الأدلّة المقبولة الاستقراء المظنون ، وهو إثبات حكم كلّي لثبوته في بعض جزئيّاته .
قال : الرابع : أخذ الشافعي بأقلّ ما قيل إذا لم يجد دليلاً ، كما قيل : دية الكتابي الثلث ، وقد قيل : النصف ، وقد قيل : الكلّ ؛ بناءً على الإجماع والبراءة الأصليّة . وقيل : يجب الأكثر لتيقّن الخلاص ، قلنا : حيث تيقّن الشغل ، والزائد لم يتيقّن .
قال : الخامس : المناسب المرسل . وفي الشرح : المناسب المرسل مناسب لا يشهد له أصل من اُصول الشرع اعتبارا وإلقاءً . وهل هو من الأدلّة المقبولة ، أم لا ؟ فيه خلاف .
واستدلّ على اعتباره بأنّه إذا غلب على ظنّنا أنّ هذا الحكم مصلحة غالبة على المفسدة، وقطعنا بأنّ المصلحة الغالبة على المفسدة معتبرة في الشرع ، لزم من هاتين المقدّمتين ظنّ أنّ هذه المصلحةَ معتبرة في الشرع ، والعمل بالظنّ واجب لما عرفت مرارا .
قال : السادس : فَقْد الدليل بعد الفحص البليغ يغلب ظنّ عدمه ، وعدمه يستلزم عدم الحكم ؛ لامتناع تكليف الغافل .
قال : الباب الثاني : في المردودة . الأوّل : الاستحسان ؛ وبه قال أبو حنيفة ، وفسّر بأنّه دليل ينقدح في نفس المجتهد ، ويقصر عنه عبارته .
انتهى ما أردنا نقله من المنهاج وشرحه .
وفي نهاية ابن الأثير في الراء مع الهمزة : «والمحدّثون يسمّون أصحاب القياس أصحابَ الرأي ، يعنون أنّهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث، أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر» انتهى . ۱
فنقول : إذا بلغ أبا حنيفة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله حديثان مختلفان ، فوجد أحدهما موافقا للرأي أو القياس أو الاستحسان أو المصالح المرسلة ، فلابدّ أن يميّز بتلك الموافقة الصدق منهما ، ويحكم بأنّ الآخر إمّا مختلق، أو ممّا شبّه للناقل ؛ لأنّ كلّ واحد من هذه

1.النهاية ، ج ۲ ، ص ۱۷۹ (رأى).

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 143833
صفحه از 637
پرینت  ارسال به