87
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

أماراتٍ ظنّ أقوى بكثير من الظنّ الحاصل بالشهادة لم يفعل ذلك .
وقد ذكر الاُصوليّون وجوها كثيرة لترجيح أحد الخبرين المختلفين على الآخر، واعترف المحقّقون أنّ أكثرها ليس له مأخذ شرعيّ .
وممّا ذكره العلّامة ـ قدّس اللّه روحه ـ في مبادئ الاُصول أنّ خبر المشهور بالرئاسة أرجح من خبر غيره . ۱
وفي الشرح : سواء شهرته لمنصبه أو لنسبه ؛ لأنّ احترازه عمّا يوجب نقصَ منزلته المشهورة يكون أكثر ، ولذلك كان عليّ عليه السلام يحلّف الراوي ، ويقبل رواية أبي بكر بلا يمين. ۲
قال العلّامة : والناقل عن حكم الأصل راجحٌ على المقرّر ، وقيل بالعكس . ۳
وفي الشرح : إذا كان أحد الخبرين مخالفا لحكم الأصل والآخَر موافقا له ، كان المخالف راجحا ، وهو قول جمهور الاُصوليّين ؛ لأنّ الشارع إنّما يحتاج إليه ليعرّفنا ما لم تستقلّ عقولنا بإدراكه ، لا ما كان لعقولنا دلالة عليه . وقيل : بل كان الموافق راجحا ؛ لكونه معتضَدا بالأصل . ۴
قال العلّامة : المشتمل على الحظر راجحٌ عند الكرخي . ۵
وفي الشرح : إذا كان حكم أحد الدليلين الحظرَ والآخرَ الإباحةَ ، فعند الكرخي وأحمد بن حنبل والرازي من أصحاب أبي حنيفة تقديم دليل الحظر ، وعند أبي هاشم [وعيسى بن أبان] تساويا وتساقطا . لنا : أنّ الأصل لا يؤمَن معه الوقوعُ في المآثم ، فيكون مرجوحا . ۶
أقول : أمثال هذه الاعتبارات أكثر من أن تنتهي إلى حدّ ، وما ذكرنا للعبرة .
ولنذكر أصناف القسم الثاني :
الصنف الأوّل : ما ورد في جواز الأخذ بأيّهما شاء ؛ في كتاب الاحتجاج في آخر

1.مبادي الوصول إلى علم الاُصول ، ص ۲۳۵ .

2.غاية البادي في شرح المبادي للشيخ محمّد بن عليّ الجرجاني الغروي، تلميذ العلاّمة ، ص ۲۳۳ .

3.مبادي الوصول إلى علم الاُصول ، ص ۲۳۷ .

4.غاية البادي في شرح المبادي ، ص ۲۳۴ .

5.غاية البادي في شرح المبادي ، ص ۲۳۷ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
86

والذي أذهب إليه ـ وأنا موقن بأنّه هو طريق المتشبّثين بأذيال آل الرسول صلوات اللّه عليهم ـ أنّ الخبر إذا ثبت وروده عن المعصوم عليه السلام وعارضه مثله، يتخلّص باستعمال واحد من تلك الوجوه، لا على أنّه يفيد لنا العلم أو الظنّ بالحكم الواقعي الذي استودعه واستحفظه رسول اللّه صلى الله عليه و آله الربّانيّين من عترته؛ ليبيّنوا للناس إن كانوا متمكّنين في الحكومة والإفتاء ، بل على أنّه طريق من الطرق التي نَهَجَها لنا مَوالينا عندما أشكل الأمر علينا في زمن الهُدْنة واستيلاء أئمّة الضلال ، فنحن متّبعوهم فيما وصل منهم إلينا على وجه التسليم لهم وإن كان نقيض الحكم الواقعي ، ولا نفرّق بينهما في طاعة اللّه إذا ثبت وروده عنهم ثبوتا يجوز معه العمل ، وإذا ثبت ورود مختلفين نستعمل أحد الوجوه المأثورة ، فما حصل فهو حكم واصلي لنا ، مطابقا للحكم الواقعي أو غير مطابق ، ويُثاب على كلّ من التقديرين بلا تفاوت في النقص والكمال .
ولسنا نقول بما قالوا : إنّ المجتهد إن اتّفق له الإصابة فله ثوابان ، وإن أخطأ فله ثواب واحد ؛ لأنّ مناط الثواب عندنا إطاعة ما أمرنا به ساداتنا المعصومون عليهم السلام ، وربّما كان ثواب من عمل بشيء على أنّه ممّا أمروا به أفضلَ من ثواب من عمل بشيء على أنّه ممّا حصل الظنّ بأنّه حكم واقعي .
وبالجملة : كلّ واحد من الوجوه المأثورة كيفيّة سلوك في أمر الخبرين المختلفين في أيّام الهدنة ودولة المتغلّبين إلى أن يأتي وقت انجلاء شمس الحقّ عن كسوف الباطل ، وزمان تقشّع غمائم الشبهات بسطوع البرهان ؛ أقرَّ اللّه عيوننا بإدراك ذلك الزمان تحت لواء وليّ الأمر وصاحب العصر صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين .
فمناط عملنا بالوجوه كونها مناهج نَهَجَها لنا الذين اُمرنا بالردّ إليهم فيما أشكل، والقبولِ منهم كلّ ما قالوا ، والاستنادِ إليهم في كلّ ما نعمل ؛ لا أنّ لنا ظنّا بأنّ هذا هو الحكم الواقعي دون ذلك .
ونظير ذلك العملُ بالشهادة ؛ فإنّ مناط العمل بها اعتبار الشارع لها على الوجه الذي اعتبره ، لا الظنّ من حيث إنّه ظنّ ؛ ولهذا يقطع ويجلد ويرجم بها ولو حصل من

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 143824
صفحه از 637
پرینت  ارسال به