89
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

باعتبار تفرّسك أنّها أنسب بحاله، كالإعتاق بحال الغنيّ، والصومِ بحال الفقير ، ولا تتعرّض للبدل ؛ لعدم غرض يدعو إليه في الأغلب ، اللّهمَّ إلّا أن يسأل: هل لها بدل ؟
ولا يخفى أنّ الترجيح بين المختلفين فرع ثبوت ورودهما عن المعصوم، وجواز العمل بكلّ مع عدم الآخر ثبوتا يسوغ العمل شرعا . فنسبة الأخباريّين إلى أنّهم يجوّزون العمل بأيّ خبر وُجد في ظهر كتاب تقوّل عليهم .
ومن أخبار هذا الصنف ما في الاحتجاج أيضا من أنّ الصاحب عليه السلام قال في جواب مكاتبة محمّد بن عبداللّه الحميري : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا». ۱
وسيجيء في باب اختلاف الحديث بعد نقل حديث الإرجاء : وفي رواية اُخرى : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك» . ۲
الصنف الثاني : في التوقّف في السعة، وأخذ مخالف المخالف في الضيق .
في الاحتجاج أيضا عن سماعة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : يرد علينا حديثان ؛ واحد يأمُرُنا بالأخذ به ، والآخَر ينهانا عنه . قال : «لاتعمل بواحد منهما حتّى تأتي ۳ صاحبك، فتسأله عنه» . قلت : لابدّ أن يعمل ۴ بأحدهما ، قال : «خُذ بما فيه خلاف العامّة» . ۵
أقول : معنى العمل بالحديث الآمر الفعلُ بنيّة أنّه ممّا أمر به الشارع ، فعدم العمل به إمّا بالفعل [لا] بالنيّة المذكورة أو بالترك . ومعنى العمل بالحديث الناهي التركُ بنيّة أنّه ممّا نهى الشارع ، فعدم العمل إمّا بالترك لا بالنيّة المذكورة أو بالفعل . وعلى هذا فالمغيّى إلى زمان إتيان الصاحب عليه السلام عدمُ لزوم شيء من الفعل والترك، والضرورةُ التي ادّعاها السائل وقوعه بين النقيضين ، والأخذ بما خالف العامّة في هذه الصورة ليس ترجيح أحد الخبرين اللّذين كلامنا فيهما ، أعني الخبرين المقترنين بما معه يصحّ العمل بكلّ واحد ، بل طريق العمل للجاهل الواقع بين النقيضين في المدّة التي يمكنه

1.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۳۵۷ .

2.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۴۸۳ ؛ الغيبة للطوسي ، ص ۳۷۸ . وفيهما : «من جهة التسليم» .

3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۶۶ ، باب اختلاف الحديث ، ح ۷ .

4.في المصدر : «حتّى تلقى» .

5.في المصدر : «أن نعمل» .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
88

حديث عن الرضا عليه السلام ، قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، فلم نعلم أيّهما الحقّ ؟ قال : «إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت» . ۱
علّق التوسيع بالعمل بأيّهما شاء على عدم العلم بالحكم الواقعي فحسب ، ولم يعتبر تأخّر هذا الوجه عن استعمال المرجّحات المأثورات إن تيسّرت مع ورود الأمر به . فيعلم من ذلك أنّ الترجيح واستعمال المرجّحات هو الأصل ، والتوسيع بالعمل بأيّهما شاء على وجه التسليم من باب الرخصة ورفع الضيق عنّا شفقة علينا في دار الهدنة ، مثل أداء الظهر عند زوال الشمس والرخصة في تأخيرها إذا عرض لهم شغل كيلا يكونوا مضيّقا عليهم ، وكثيرا ما يقول الصدوق عند تعارض الخبرين : «هذا الخبر أصل ، وذاك رخصة» . ۲
وسيجيء في باب التفويض إلى رسول اللّه : «وعاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله أشياءَ وكرهها، لم يَنْهَ عنها نهيَ حرام ، إنّما نهى عنها نهيَ إعافة وكراهة ، ثمّ رخّص فيها، فصار الأخذ بِرُخَصِه واجبا على العباد، كوجوب ما يأخذون من عزائمه ۳ ، ولم يرخّص لهم رسول اللّه فيما نهاهم عنه نهيَ حرامٍ ، ولا فيما أمر به أمْرَ فَرْضٍ لازم» الحديث . ۴
وفي قوله عليه السلام : «فموسّع عليك » إشعار بالرخصة كما لايخفى . وكذا في قوله عليه السلام : «من باب التسليم» كما في حديث آخر .
وتكثير طرق الترجيح أيضا للتوسيع ، وإطلاق ذكر الوجوه وعدم التقييد بالترتيب ـ كما ستعرف ـ شاهد صدق على ذلك ، وعلى هذا ذكر بعضها في خبر وآخَر في آخَرَ بلا التزام ترتيب ونسق ؛ لكونها متساويةَ الأقدام في تحصيل الغرض ، ولا مزيد فائدة في التصريح بذلك التساوي ، بل هو كما تأمر أحدا يسألك عن كفّارة ماله ـ في الواقع ثلاث كفّارات كلٌّ تقوم مقام الاُخرى في حال السعة ـ بواحدة منها على سبيل الاتّفاق ، أو

1.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۳۵۷ .

2.اُنظر على سبيل المثال : الفقيه ، ج ۱ ، ص ۸۵ ، ذيل ح ۱۸۸.

3.في المصدر : «بنهيه وعزامه» بدل «من عزائمه» .

4.الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۶۶ ، ح ۴ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 143822
صفحه از 637
پرینت  ارسال به