باعتبار تفرّسك أنّها أنسب بحاله، كالإعتاق بحال الغنيّ، والصومِ بحال الفقير ، ولا تتعرّض للبدل ؛ لعدم غرض يدعو إليه في الأغلب ، اللّهمَّ إلّا أن يسأل: هل لها بدل ؟
ولا يخفى أنّ الترجيح بين المختلفين فرع ثبوت ورودهما عن المعصوم، وجواز العمل بكلّ مع عدم الآخر ثبوتا يسوغ العمل شرعا . فنسبة الأخباريّين إلى أنّهم يجوّزون العمل بأيّ خبر وُجد في ظهر كتاب تقوّل عليهم .
ومن أخبار هذا الصنف ما في الاحتجاج أيضا من أنّ الصاحب عليه السلام قال في جواب مكاتبة محمّد بن عبداللّه الحميري : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا». ۱
وسيجيء في باب اختلاف الحديث بعد نقل حديث الإرجاء : وفي رواية اُخرى : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك» . ۲
الصنف الثاني : في التوقّف في السعة، وأخذ مخالف المخالف في الضيق .
في الاحتجاج أيضا عن سماعة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : يرد علينا حديثان ؛ واحد يأمُرُنا بالأخذ به ، والآخَر ينهانا عنه . قال : «لاتعمل بواحد منهما حتّى تأتي ۳ صاحبك، فتسأله عنه» . قلت : لابدّ أن يعمل ۴ بأحدهما ، قال : «خُذ بما فيه خلاف العامّة» . ۵
أقول : معنى العمل بالحديث الآمر الفعلُ بنيّة أنّه ممّا أمر به الشارع ، فعدم العمل به إمّا بالفعل [لا] بالنيّة المذكورة أو بالترك . ومعنى العمل بالحديث الناهي التركُ بنيّة أنّه ممّا نهى الشارع ، فعدم العمل إمّا بالترك لا بالنيّة المذكورة أو بالفعل . وعلى هذا فالمغيّى إلى زمان إتيان الصاحب عليه السلام عدمُ لزوم شيء من الفعل والترك، والضرورةُ التي ادّعاها السائل وقوعه بين النقيضين ، والأخذ بما خالف العامّة في هذه الصورة ليس ترجيح أحد الخبرين اللّذين كلامنا فيهما ، أعني الخبرين المقترنين بما معه يصحّ العمل بكلّ واحد ، بل طريق العمل للجاهل الواقع بين النقيضين في المدّة التي يمكنه
1.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۳۵۷ .
2.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۴۸۳ ؛ الغيبة للطوسي ، ص ۳۷۸ . وفيهما : «من جهة التسليم» .
3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۶۶ ، باب اختلاف الحديث ، ح ۷ .
4.في المصدر : «حتّى تلقى» .
5.في المصدر : «أن نعمل» .