قلت : جُعلت فداك ، أرأيتَ إن كانَ الفقيهان عَرَفا حكمَه من الكتاب والسنّة ، ووجدنا أحدَ الخبرين موافقا للعامّة، والآخَرَ مخالفا لهم ، بأيّ الخبرين يُؤخذ ؟
قال : «ما خالف العامّةَ ففيه الرَّشاد» .
قلت : جُعلت فداك ، فإن وافَقَهُما الخبران جميعا ؟
قال : «يُنْظَرُ إلى ما هم إليه أمْيَلُ حكّامُهم وقضاتُهم فيُترك ، ويؤخذ بالآخَر» .
قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا ؟
قال : «إذا كان ذلك، فأرْجِهْ حتّى تَلقى إمامَك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهلكات» . ۱
أقول : قوله : «في دين أو ميراث» مورد السؤال وإن كان خاصّا إلّا أنّ علّة المنع ـ وهو الكفر بالطاغوت ـ يقتضي حرمة الرجوع إليهم في مطلق الأحكام الدينيّة ، وليس هذا من القياس المحرّم ؛ لأنّ العلّة هناك مستنبطة ، وهاهنا مصرّحة .
وقوله عليه السلام : «ممّن روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا» يدلّ على أنّ المستحقّ لأن يُرجع إليه مَن كان بهذه الصفات ، دون أن يقرأ متن الشرائع مثلاً ، ولم يقابل كتب الأحاديث الأربعة أو قابلها ، واكتفى بما سمعه من الاُستاذ في بيان المراد من غير أن يتدبّر هو في كلّ حديث بعد أن يكون قد علم كيفيّة التدبّر ، وعلم حصول التمكّن منه ، كما هو مقتضى قوله عليه السلام : «ونظر في» إلى آخره .
وكيفيّة التدبّر وإن كانت غير منضبطة ولكلٍّ وجهة هو مولّيها ۲ ، إلّا أنّه يحصل بتتبّع الكتب الاستدلاليّة، والاطّلاع على ما قاله الاُصوليّون اطّلاعا إجماليّا ، دون صرف الأوقات في تدقيقاتهم وتطويلاتهم، حالةٌ يعلم بها ما ينبغي أن يفعل إن كان مجتنبا للجاه الباطل وحبّ القيل والقال بلا طائل .
وكفى تخويفا في هذا الباب قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في صفة من تصدّى للحكومة بين الناس، وليس لذلك أهلاً : «إنّ أبغضَ الخلائق إلى اللّه تعالى