97
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

قلت : جُعلت فداك ، أرأيتَ إن كانَ الفقيهان عَرَفا حكمَه من الكتاب والسنّة ، ووجدنا أحدَ الخبرين موافقا للعامّة، والآخَرَ مخالفا لهم ، بأيّ الخبرين يُؤخذ ؟
قال : «ما خالف العامّةَ ففيه الرَّشاد» .
قلت : جُعلت فداك ، فإن وافَقَهُما الخبران جميعا ؟
قال : «يُنْظَرُ إلى ما هم إليه أمْيَلُ حكّامُهم وقضاتُهم فيُترك ، ويؤخذ بالآخَر» .
قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا ؟
قال : «إذا كان ذلك، فأرْجِهْ حتّى تَلقى إمامَك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهلكات» . ۱
أقول : قوله : «في دين أو ميراث» مورد السؤال وإن كان خاصّا إلّا أنّ علّة المنع ـ وهو الكفر بالطاغوت ـ يقتضي حرمة الرجوع إليهم في مطلق الأحكام الدينيّة ، وليس هذا من القياس المحرّم ؛ لأنّ العلّة هناك مستنبطة ، وهاهنا مصرّحة .
وقوله عليه السلام : «ممّن روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا» يدلّ على أنّ المستحقّ لأن يُرجع إليه مَن كان بهذه الصفات ، دون أن يقرأ متن الشرائع مثلاً ، ولم يقابل كتب الأحاديث الأربعة أو قابلها ، واكتفى بما سمعه من الاُستاذ في بيان المراد من غير أن يتدبّر هو في كلّ حديث بعد أن يكون قد علم كيفيّة التدبّر ، وعلم حصول التمكّن منه ، كما هو مقتضى قوله عليه السلام : «ونظر في» إلى آخره .
وكيفيّة التدبّر وإن كانت غير منضبطة ولكلٍّ وجهة هو مولّيها ۲ ، إلّا أنّه يحصل بتتبّع الكتب الاستدلاليّة، والاطّلاع على ما قاله الاُصوليّون اطّلاعا إجماليّا ، دون صرف الأوقات في تدقيقاتهم وتطويلاتهم، حالةٌ يعلم بها ما ينبغي أن يفعل إن كان مجتنبا للجاه الباطل وحبّ القيل والقال بلا طائل .
وكفى تخويفا في هذا الباب قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في صفة من تصدّى للحكومة بين الناس، وليس لذلك أهلاً : «إنّ أبغضَ الخلائق إلى اللّه تعالى

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۶۷ ، ح ۱۰ .

2.اقتباس من الآية ۱۴۸ من سورة البقرة .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
96

بحُكْم الطاغوت، وقد أمَرَ اللّه أن يُكفَرَ به ، قال اللّه تعالى : «يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّـغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ»۱ .
قلت : فكيف يصنعان ؟
قال : «يَنْظُران مَن كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونَظَرَ في حلالنا وحرامنا ، وعَرَفَ أحكامَنا ، فَليَرضَوا به حَكَما ؛ فإنّي قد جَعَلْتُه عليكم حاكما ، فإذا حَكَمَ بحُكْمنا ـ وفي بعض النسخ : فإذا حكَم بحُكْم ـ فلم يَقْبَلْه منه، فإنّما استخفَّ بحُكْم اللّه ، وعلينا رَدَّ ، والرادُّ علينا كالرادّ على اللّه ، وهو على حدّ الشرك باللّه » .
قلت : فإن كان كلّ رجل اختارَ رجلاً من أصحابنا ، فَرَضِيا أن يكونا الناظِرَيْن في حقّهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلف في حديثكم ؟
قال : «الحُكْم ما حَكَمَ به أعدَلُهما وأفقَهُهما وأصدَقُهما في الحديث وأورَعُهما ، ولا يلتفِتْ إلى ما يحكم به الآخر» .
قال : قلت : فإنّهما عَدْلانِ مَرضيّانِ عند أصحابنا، لا يُفَضَّلُ واحدٌ منهما على صاحبه ؟
قال : فقال : «يُنْظَرُ إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حَكَما به المُجْمَعُ عليه من أصحابك ، فيؤخذ به من حُكمنا، ويُتْرَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ؛ فإنّ المُجْمَعُ عليه لا ريب فيه ، وإنّما الاُمور ثلاثة : أمرٌ بيِّنٌ رُشْدُه فَيُتَّبَعُ ، وأمرٌ بيّنٌ غَيُّه فيُجْتَنَبُ ، وأمرٌ [مشكلٌ] يُرَدُّ علمُه إلى اللّه وإلى رسوله صلى الله عليه و آله ؛ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حلالٌ بيِّنٌ ، وحرام بيِّنٌ ، وشبهاتٌ بين ذلك ، فمن تَرَكَ الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم» .
قلت : فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم ؟
قال : «يُنْظَرُ ، فما وافَقَ حكمُه حكمَ الكتاب والسنّة وخالَفَ العامّةَ فيُؤخَذُ به ، ويُترك ما خالَفَ حكمُه حكمَ الكتاب والسنّة ووافَقَ العامّة» .

1.النساء (۴) : ۶۰ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 135676
صفحه از 637
پرینت  ارسال به