شرح
السند ضعيف.
قوله: (لمّا سيَّر عثمانُ أبا ذرّ إلى الربذة).
التسيير: الحمل على السّير، والذهاب، والإخراج من البلد.
وأبو ذرّ ـ بتشديد الرّاء ـ : كنية جندب بن جنادة الغفاري. والغفار ـ ككتاب ـ : قبيلة من كنانة.
وفي القاموس: «الرَبَذَة ـ بالتحريك ـ : مدفن أبي ذرّ الغفاري قُرب المدينة». ۱
(فلمّا كان عند الوداع).
قال الجوهري: «هي التوديع عند الرحيل، والاسم: الوداع بالفتح». ۲
(قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا ذرّ، [إنّك] إنّما غضبتَ للّه عزّ وجلّ) على البناء للفاعل، أو للمفعول؛ يعني بأنّ إنكارك وغضبك بما كنت أنكرت من أمر عثمان حتّى صرت عنده مغضوبا مبغوضا إنّما هو لوجه اللّه .
وكذا قوله عليه السلام : (فَارْجُ من غضبتَ له) يحتمل الوجهين.
(إنّ القوم خافوك على دنياهم) لئلّا تفسدها عليهم، وتنفّر الناس عنهم.
(وخِفْتَهم على دينك) لئلّا يفسدوه عليك، ويردّوك على أعقابك بالطمع في دنياهم، والمداراة والمماشاة معهم، كما فعلوا بكثير من الناس، فضلّوا وأضلّوا.
(فأرحلوك عن الفناء).
قال الجوهري: «رحلته: إذا أعطيته راحلة. ورحّلته بالتشديد: إذا أظعنته من مكانه، وأرسلته». ۳
وقال: «فناء الدار: ما امتدّ من جوانبها» انتهى. ۴
أقول: لعلّ الإرحال هنا بمعنى الترحيل، أو كناية عنه. والمراد بالفناء، إمّا فناء دارهم وجوارهم، أو فناء دار أبي ذرّ، أو فناء المدينة، أو فناء الروضة المقدّسة.
(وامتحنوك بالبلاء).
قال الجوهري: «محنته وامتحنته: أي أختبرته. والاسم: المحنة». ۵
وفي القاموس: «محنه ـ كمنعه ـ : ضربه، واختبره، كامتحنه». ۶ ولعلّ المراد هنا: أوقعوك في محنة البلاء.
(واللّه لو كانت السماوات والأرض على عبدٍ رتقا).
قال الجوهري: «الرتق: ضدّ الفتق. وقد رتقت الفتق أرتقه، فارتتق، أي التأم، ومنه قوله تعالى: «كَانَتَا رَتْقا فَفَتَقْنَاهُمَا»۷ . ۸
(ثمّ اتّقى اللّه جعل له [منها] مخرجا).
لعلّ ضمير «منها» راجع إلى التقوى، و«من» للتعليل، أو للابتداء. ويحتمل إرجاعه إلى السماوات والأرض، وإرادة رتقهما، أي جعل له من رتقهما مخرجا.
قيل: هذا الكلام بشارة لأبي ذرّ بخلاصه ممّا هو فيه من ضيق الحال بسبب الإخراج، وشرطه في ذلك تقوى اللّه إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا»۹ الآية. وكنّى عليه السلام برتق السماوات والأرض على العبد عن غاية الشدّة مبالغة لبيان فضل التقوى. ۱۰
(وأنت قد حفظت فينا ما ضيّع الناس إلّا القليل) استثناء من تضييع الناس، لا من حفظ أبي ذرّ.
ثمّ رغّبه في الصبر على البلاء، وتلقّيه بالقبول، وتوقّع حضور العافية وعدم اليأس منها، فقال: (واعلم أنّ استغفاءك البلاء من الجزع، واستبطاءك [العافية] من اليأس).
في بعض النسخ: «من الإياس».
قال في القاموس: «أيِسَ ـ كسمعَ ـ إياسا: قنط». ۱۱
وقال: «الاستعفاء: طلبك ممّن يكلفّك أن يعفيك منه». ۱۲
وقوله: «من الجزع» خبر «أنَّ». وكذا قوله: «من اليأس».
(فدَع اليأس).
في بعض النسخ: «الإياس».
(ثمّ تكلّم الحسن عليه السلام ، فقال: يا عمّاه).
العمّ: أخو الأب. والمراد هنا الإخوة في الدِّين.
(إنّ القوم قد أتوا إليك ما قد ترى).
من الإيذاء، والإهانة، والإخراج من البلد. قال في القاموس: «أتى إليه الشيء: ساقه». ۱۳
(وإنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ بالمنظر الأعلى).
كناية عن علمه تعالى بما يصدر عنهم، وأنّه لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال في القاموس: نظره ـ كنصره، وسمعه ـ وإليه نظرا، أو منظرا، أو نظرانا، ومنظرة: تأمّله بعينه. والمنظر والمنظرة: ما نظرت إليه، فأعجبك أو ساءك. ۱۴
(ثمّ تكلّم الحسين عليه السلام ) إلى قوله: (قادر أن يغيّر ماترى).
لعلّ الموصول إشارة إلى استخفافهم بأبي ذرّ، وعدم رعاية حقوقه، أو إلى ضعف أهل الحقّ وقوّة أهل الباطل.
(وهو كلّ يوم في شأن).
في القاموس: «الشأن: الخطب، والأمر». ۱۵
وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» : ۱۶
كلّ وقت يحدث أشخاصا، ويجدّد أحوالاً على ما سبق به قضاؤه. وفي الحديث: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين. وهو ردّ لقول اليهود: إنّ اللّه لا يقض يوم السبت شيئا، انتهى. ۱۷
(فما أغناك عمّا منعوك) من دنياهم (وما أحوجهم إلى ما منعتهم) من دينك.
وكلمة «ما» في الموضعين للتعجّب.
(أوحش اللّه مَنْ أوحشك).
قال الجوهري: «الوحشة: الخلوة، والهمّ. أوحشه فاستوحش». ۱۸
(ما منع الناس أن يقولوا الحقّ).
لفظ «الحقّ» ليس في بعض النسخ، لكنّه مراد.
وقيل على هذه النسخة: يعني يتكلّموا في نصرتك، ودفع الظلم عنك. ۱۹
(إلّا الركون) أي الميل والسكون.
(إلى الدُّنيا والحبّ لها، ألا إنّما الطاعة مع الجماعة).
لعلّ المراد أنّ طاعة اللّه لا يتيسّر إلّا مع جماعة أهل الحقّ، وهم الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم. أو المراد أنّ أكثر الناس يتّبعون الجماعات، ولا يلحظون في ذلك كونه حقّا أو باطلاً.
ويؤيّد الثاني قوله: (والملك لمَن غلب عليه)؛ أي السلطنة الدنيويّة لمن غلب عليها وقهر الناس بقبولها، وإن كان على الباطل.
(فخسروا الدُّنيا) بذهاب عصمتهم (والآخرة) بحبوط عملهم.
(وذلك هو الخسران المبين)؛ إذ لا خسران مثله. قال الجوهري: «بانَ الشيء بيانا: اتّضح، فهو بيِّن. وكذلك أبان الشيء، فهو مبين. وأبنته أنا: أوضحته». ۲۰
(بأبي واُمّي هذه الوجوه).
إشارة إلى وجوه الحاضرين، أو إلى أشخاصهم وأعيانهم. قال في القاموس: «الوجه: معروف، ومستقبل كلّ شيء. الجمع: أوجه، ووجوه، وأجوه، ونفس الشيء، وسيّد القوم، الجمع: وجوه». ۲۱
(وما لي بالمدينة شجنٌ ولا سكن غيركم).
قال في القاموس: «الشجن ـ محرّكة ـ : الهمّ، والحزن، والحاجة حيث كانت. الجمع: شجون، وأشجان». ۲۲
وقال: «سكن إليه سكونا: قرَّ. والاسم: السّكن ـ محرّكة ـ [والسكنى] وكبشرى. والسّكن: أهل الدار، وبالتحريك: ما يسكن إليه». ۲۳
(فآلى أن يسيّرني إلى بلدة).
في القاموس: «آلى وائتلى وتألّى: أقسم». ۲۴
(أن أفسد على أخيه الناس بالكوفة).
المراد بأخيه الوليد بن عقبة أخو عثمان لاُمّه، وكان عثمان ولّاه الكوفة. وذكر الزمخشري وغيره: أنّه صلّى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا، ثمّ قال: هل أزيدكم، انتهى. ۲۵
(لا أرى فيها).
في بعض النسخ: «بها».
(أنيسا، ولا أسمع بها حسيسا).
قال الجوهري: «الحسّ والحسيس: الصوت الخفيّ». ۲۶
1.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۳۵۳ (ربذ).
2.الصحاح، ج ۳، ص ۱۲۹۵ (رحل).
3.الصحاح، ج ۶، ص ۲۴۵۷ (فني).
4.القاموس المحيط، ج ۶، ص ۲۴۵۷ (فني).
5.الصحاح، ج ۶، ص ۲۲۰۱ (محن).
6.القاموس المحيط، ج ۴ف ص ۲۷۰ (محن).
7.. الأنبياء (۲۱): ۳۰.
8.الصحاح، ج ۴، ص ۴۸۰ (رتق).
9.. الطلاق (۶۵): ۲.
10.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۷۵.
11.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۹۹ (أيس).
12.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۶۴ (عفو).
13.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۹۷ (أتي).
14.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۴۴ (نظر) مع التلخيص.
15.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۲۴۸ (شأن).
16.. الرحمن (۵۵): ۲۹.
17.تفسير البيضاوي، ج ۵، ص ۲۷۶.
18.الصحاح، ج ۳، ص ۱۰۲۵ (وحش).
19.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج ۲۶، ص ۳۹۶
20.الصحاح، ج ۵، ص ۲۰۸۳ (بين).
21.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۹۵ (وجه).
22.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۳۹ (شجن).
23.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۳۵ (سكن).
24.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۰۰ (ألو).
25.اُنظر: الكشّاف، ج ۳، ص ۵۵۹؛ الكامل لابن الأثير، ج ۲، ص ۵۲؛ أسد الغابة للجزري، ج ۵، ص ۹۱.
26.الصحاح، ج ۳، ص ۹۱۶ (حسس).