متن الحديث الثاني والخمسين والمائتين
  ۰.أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ وَالْحَجَّالِ جَمِيعا ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ مَسْلَمَةَ۱الْجَرِيرِيِّ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : يُوَبِّخُونَّا وَيُكَذِّبُونَّا إِنَّا نَقُولُ : إِنَّ صَيْحَتَيْنِ تَكُونَانِ ، يَقُولُونَ : مِنْ أَيْنَ تُعْرَفُ ۲ الْمُحِقَّةُ مِنَ الْمُبْطِلَةِ إِذَا كَانَتَا؟ 
 قَالَ : «فَمَا ذَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ؟» . 
 قُلْتُ : مَا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئا . 
 قَالَ : «قُولُوا : يُصَدِّقُ بِهَا ـ إِذَا كَانَتْ ـ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا مِنْ قَبْلُ ، إِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ : «أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّى إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»۳ » .
شرح
السند مجهول. 
 قوله: (قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : يوبّخونا) أي المخالفون لنا. والتوبيخ: اللؤم، والتأنيب. 
 (ويكذّبونا) فيما نقول، وهو (إنّا نقول: إنّ صيحتين تكونان): تقعان، وتوجدان عند ظهور القائم عليه السلام ؛ صيحة في أوّل اليوم بأنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون، وصيحة في الآخرة بأنّ عثمان وشيعته هم الفائزون، كما سيأتي. 
 (يقولون: من أين تعرف) على البناء للمفعول. 
 (المحقّة من المبطلة) أي الصيحة المحقّة من الصيحة المبطلة، واتّصافهما بالإحقاق والإبطال باعتبار اتّصاف صاحبها وهو المنادي بهما، والحقّ ضدّ الباطل. 
 والإحقاق: الإيجاب، والإثبات، والغلبة على الحقّ، والتثبيت عليه، ويقابله الإبطال. 
 (إذا كانتا) أي وقعتا. 
 (قال: فما ذا تردّون عليهم؟). 
 قال الجوهري: «ردّ عليه الشيء: إذا لم يقبله. وكذلك إذا أخطأه. وردّ إليه جوابا: أي رجع». ۴
 (قال: قولوا يصدّق بها) أي بالمحقّة. 
 (إذا كانت) أي وقعت. 
 و«يصدّق» على البناء للفاعل. وقوله: (من كان يؤمن بها) فاعله. 
 (من قبل) أي من قبل وقوعها. 
 والمراد: أنّه يؤمن بتلك الصيحة المحقّة من علم بأخبار الأئمّة الحقّ أنّ المنادي الأوّل هو المحقّ لا غير. 
 (إنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ يقول) في سورة يونس: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللّه ُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَا أَنْ يُهْدَى»۵ . 
 قال البيضاوي: 
 أي أم الذي لا يهتدي إلّا أن يهدى، أو لا يهدي غيره إلّا أن يهديه اللّه ، وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير. وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر: «يهدّى» بفتح الهاء وتشديد [الدال]، ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد، والأصل: «يهتدي» فاُدغم وفتحت الهاء بحركة التاء وكسرت لالتقاء الساكنين. 
«فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» بما يقتضي صريح العقل بطلانه، انتهى. ۶
 وأقول: بناء هذا التفسير على كون الموصول الأوّل عبارة عن اللّه سبحانه، والموصول الثاني عبارة عن أشراف آلهة المشركين كالملائكة والمسيح وعزير، فإنّهم لا يهتدون بأنفسهم إلّا أن يهديهم اللّه . ويؤيّد أوّل الآية، وقد مرّ في كتاب الحجّة تفسير الموصول الأوّل بأمير المؤمنين عليه السلام والثاني بالثلاثة. 
 إذا تمهّد هذا فنقول: لعلّ وجه انطباق الآية على ما ذكر أنّه لابدّ من تصديق أهل العصمة في كلّ ما يخبرون به؛ لأنّهم هم الهادون إلى الحقّ لهداية اللّه ـ عزّ وجلّ ـ والعالمون بجميع ما يحتاج إليه من أمر الدِّين والدُّنيا، بخلاف غيرهم من الجهلة. 
 وقيل في وجه الانطباق: إنّ الموصول في الآية مَن له الصيحة الاُولى، والموصول الثاني مَن له الصيحة الثانية، والأوّل أحقّ بالاتّباع، وليس ذلك إلّا لظهور الحقّ في قلوب المستعدّين لقبوله. ۷
 وقيل: يحتمل أن يكون المراد منه بعد ظهور من ينادي ـ أي القائم عليه السلام ـ يعلم حقّيّته بعلمه الكامل، كما قال تعالى: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» الآية. أو المراد أنّه يظهر من الآية أنّ للحقّ ظهورا، حيث قال في مقام الاحتجاج على الكفّار: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» ، فالحقّ ظاهر، لكن يتعامى عنه بعض الناس. ۸
1.المذكور في رجال الطوسي، ص ۲۶۵، ح ۳۸۰۳ هو عبد الرحمن بن سلمة الجريري، وفي رجال البرقي، ص ۲۴ هو عبد الرحمن بن مسلمة الحريري.
2.في بعض نسخ الكافي: «يعرف».
3.يونس (۱۰): ۳۵.
4.الصحاح، ج ۲، ص ۴۷۳ (ردد).
5.. يونس (۱۰): ۳۵.
6.تفسير البيضاوي، ج ۳، ص ۱۹۷ (مع التلخيص).
7.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۷۷.
8.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۲۶.