261
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

البضاعة المزجاة المجلد الثالث
260

شرح

السند ضعيف.
قوله: (كم كان طول آدم عليه السلام حين هبط به إلى الأرض).
«هبط» على البناء للمفعول، والباء للتعدية، أو للتقوية. قال الجوهري: «هبط هبوطا: نزل. وهبطا: أنزله، يتعدّى ولا يتعدّى». ۱
(كانت رجلاه بثنيّة الصّفا).
في القاموس: «الثنيّة: العقبة، أو طريقها، أو الجبل، أو الطريقة فيه أو إليه». ۲
وقال في النهاية: «الثنيّة في الجبل كالعقبة فيه. وقيل: هو الطريق العالي فيه. وقيل: أعلى المسيل في رأسه» انتهى. ۳
(ورأسه دون اُفق السماء) أي عنده أو قريبا منه.
وفي القاموس: «الاُفق ـ بالضمّ، وبضمّتين ـ : الناحية. الجمع: آفاق». ۴
(وأنّه شكى إلى اللّه تعالى).
الغمز: العصر الشديد، والإشارة بالعين والجفن والحاجب، وفعله كضرب.
وفي القاموس: «الذراع ـ بالكسر ـ : من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى والسّاعد. وقد يذكّر فيهما. الجمع: أذرع، وذُرعان بالضمّ». ۵
وقال الجوهري: «الصفاة: صخرة ملساء. والجمع: صفا، مقصور. والصفا: موضع بمكّة». ۶
وقال بعض الأعلام:
اعلم أنّ هذا الخبر من المعضلات التي صيّرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين، والإشكال فيه من وجهين:
أحدهما: أنّ قصر القامة كيف يصير سببا لرفع التأذّي بحرّ الشمس.
والثاني: أنّ كونه عليه السلام سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته، وأن يعسر عليه كثير من الاستعمالات الضروريّة، وهذا ممّا لا يناسب رتبة النبوّة وما منَّ اللّه عليه من إتمام النعمة.
فأمّا الجواب عن الإشكال الأوّل فمن وجهين:
الأوّل: أنّه يمكن أن يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس أيضا، ويكون قامته عليه السلام طويلة جدّا بحيث لا يتجاوز الطبقة الزمهريريّة، ۷ ويتأذّى من تلك الحرارة. ويؤيّده ما روى في بعض الأخبار العامّيّة في قصّة عوج بن عناق أنّه كان يرفع السمك إلى عين الشمس ليشويه بحرارتها. ۸
والثاني: أنّه لطول قامته كان لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا جبل ولا شجر، فكان يتأذّى من حرارة الشمس لذلك، وبعد قصر قامته ارتفع ذلك، وكان يمكنه الاستظلال بالأبنية وغيرها.
وأمّا الثاني فقد اُجيب عنه بوجوهٍ شتّى:
الأوّل: ما ذكره بعض الأفاضل من مشايخنا: إنّ استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الآن؛ فإنّ اللّه تعالى قادر على خلق الإنسان على هيئات اُخر، كلّ منها فيه استواء الخلقة، ومن المعلوم أنّ أعضاءنا الآن ليست بقدر أعضاء آدم عليه السلام ، وقامتنا ليست كقامته، فالقادر على خلقنا دونه وعلى تقصير طوله عن الأوّل قادر على أن يجعل بعض أعضائه مناسبا للبعض بغير المعهود، وذراع آدم عليه السلام يمكن أن يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل، أو ليّنا بحيث يحصل الارتفاق به، والحركة كيف شاء، كما يمكن بهذا الذراع والعضد.
والثاني: ما ذكره الفاضل المذكور أيضا، وهو أن يكون المراد بالسبعين سبعين قدما أو شبرا، وترك ذكر القدم أو الشبر؛ لما هو متعارف شايع من كون الإنسان غالبا سبعة أقدام، أو أنّ بقرينة المقام كان يعلم ذلك، كما إذا قيل: طول الإنسان سبعة، تبادر منه الأقدام، فيكون المراد أنّه صار سبعين قدما أو شبرا بالأقدام المعهود في ذلك الزمان، كما إذا قيل: غلام خماسي؛ فإنّه يتبادر منه خمسة أشبار لتداول مثله واشتهاره. وعلى هذا يكون قوله: «ذراعا» بدلاً من «السبعين» بمعنى أنّ طوله الآن، وهو السبعون بقدر ذراعه قبل ذلك. وحينئذٍ فائدة قوله: (ذراعا بذراعه) معرفة طوله أوّلاً؛ فإنّ من كون الذراع سبعين قدما مع كونه قدمين، والقدمان سبعا القامة يعلم منه طوله الأوّل، فذكره لهذه الفائدة على أنّ السؤال الواقع بقول السائل كم كان طول آدم حين هبط إلى الأرض يقتضي جوابا يطابقه. وكذا قوله: (كم كان طول حوّاء)، فلولا قوله: (ذراعا بذراعه) و(ذراعا بذراعها) لم يكن الجواب مطابقا؛ لأنّ قوله: (دون اُفق السماء) مجمل، فأفاده عليه السلام الجواب عن السؤال مع إفادة ما ذكره معه من كونه صار هذا القدر. وأمّا ما ورد في حوّاء عليهاالسلام، فالمعنى: أنّه جعل [طول] حوّاء خمسة وثلاثين قدما بالأقدام المعهودة الآن، وهي ذراع بذراعها الأوّل، فبالذراع يظهر أنّها كانت على النصف من آدم، ولا بُعد في ذلك؛ فإنّه ورد في الحديث ما معناه: أن يختار الرجل امرأة دونه في الحسب والمال والقامة، لئلّا تفتخر المرأة على الزوج بذلك وتعلو عليه، فلا بُعد في كونه أطول منها.
الثالث: ما ذكره الفاضل المذكور أيضا بأن يكون «سُبعين» بضمّ السين تثنية سُبع، والمعنى: أنّه صيّر طوله بحيث صار سُبعي الطول الأوّل، والسّبعان ذراع من حيث اعتبار الإنسان سبعة أقدام كلّ قدمين ذراع، فيكون الذراع بدلاً، أو مفعولاً، بتقدير «أعني»، وفي ذكر «ذراعا بذراعه» حينئذٍ الفائدة المتقدِّمة لمعرفة طوله أوّلاً في الجملة؛ فإنّ سؤال السائل عن الطول الأوّل فقط.
وأمّا حوّاء عليهاالسلام، فالمعنى أنّه جعل طولها خُمسه ـ بضمّ الخاء ـ أي خُمس ذلك الطول، وثلاثين تثنية ثلث؛ أي ثلثي الخمس، فصارت خمسا وثلثي خمس، وحينئذٍ التفاوت بينهما قليل؛ لأنّ السبعين في آدم [أربعة من] أربعة عشر والخمس، وثلثا خمس في حوّاء خمسة من خمسة عشر، فيكون التفاوت بينهما يسيرا، وإن كان الطولان الأوّلان متساويين، وإلّا فقد لا يحصل تفاوت، والفائدة في قوله: «ذراعا بذراعها» كما تقدّم؛ فإنّ السؤال وقع بقوله: «وكم كان طول حوّاء». ويحتمل بعيدا عود ضمير «خمسه» و«ثلثيه» إلى آدم، والمعنى: أنّها صارت خُمس طول آدم الأوّل وثلثيه، فتكون أطول منه؛ أو خُمسُه وثُلثيه بعد القصر، فتكون أقصر. والأوّل أربط وأنسب بما قبله مع مناسبة تقديم الخمس ومناسبة الثلاثين له. ويقرّب الثاني قلّة التفاوت الفاحش على أحد الاحتمالين.
فإن قلت: ما ذكرت من السبعين من الأذرع والأقدام ينافي ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إنّ أباكم [كان] طوالاً كالنخلة السّحوق في ستّين ذراعا». ۹
قلت: يمكن الجواب بأنّ ستّين ذراعا راجع إلى النخلة، لا إلى آدم؛ فإنّه أقرب لفظا ومعنىً من حيث أنّ السحوق هي الطويلة ونهاية طولها، لا يتجاوز الستّين غالبا، فقد شبّه طوله عليه السلام بالنخلة التي هي في نهاية الطول، ولا ينافي هذا كونه أطول منها؛ فإنّ التشبيه أن يشبه شيء بشيء بحيث يكون المشبّه به مشهودا متعارفا في جهة من الجهات، فيُقال: فلان مثل النخلة، ويُراد به مجرّد الطول والاستقامة مع أنّه أقصر منها، وقد يعكس. ويحتمل أن يكون المراد أنّ آدم صار ستّين ذراعا، وهذا التفاوت قد يحصل في الأذرع، وهو ما بين الستّين والسبعين، أو لأنّ الذراع كما يطلق على المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، قد يُطلق على الساعد ولو مجازا، وعلى تقدير تثنية «سبع» يستقم، سواء رجع إلى آدم، أو إلى النخلة.
أقول: يرد على الثالث أنّ الخمس وثلثي الخمس يرجع إلى الثلث، ونسبة التعبير عن الثلث بهذه العبارة إلى أفصح الفصحاء، بعيد عن العلماء.
الرابع: ما يروى عن شيخنا البهائي قدس سره من أنّ في الكلام استخداما، بأن يكون المراد بآدم حين إرجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من أولاده عليه السلام . ولا يخفى بُعده عن استعمالات العرب ومحاوراتهم مع أنّه لا يجري ذلك في حوّاء إلّا بتكلّف ركيك. نعم، يمكن إرجاعهما إلى الرجل والمرأة بقرينة المقام، لكنّه بعيد أيضا غاية البُعد.
الخامس: ما خطر بالبال بأن يكون إضافة الذراع إليهما على التوسعة والمجاز، بأن نسب ذراع جنس آدم عليه السلام وجنس حوّاء إليها، وهو قريب ممّا سبق.
السادس: ما حلَّ ببالي أيضا، وهو أن يكون المراد بذراعه الذراع الذي قرّره عليه السلام لمساحة الأشياء، وهذا يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون الذراع الذي عمله آدم عليه السلام مخالفا للذراع الذي عملته حوّاء عليهاالسلام. وثانيهما: أن يكون الذراع المعمول في هذا الزمان واحدا، لكن نسب في بيان كلّ منهما إليه لقرب المرجع.
السابع: ما سمحت به قريحتي، ۱۰ وهو أن يكون المراد تعيين حدّ الغمز لجبرئيل عليه السلام ، بأن يكون المعنى: اجعل طول قامته بحيث يكون بعد تناسب الأعضاء طوله الأوّل سبعين ذراعا بذراع الذي حصل له بعد القصر والغمز، فيكون المراد بطوله طوله الأوّل، ونسبة التصيير إليه باعتبار أنّ كونه سبعين ذراعا إنّما يكون بعد خلق ذلك الذراع، فيكون في الكلام شبه قلب، أي: اجعل ذراعيه بحيث يكون جزء من سبعين جزءا من طول قامته قبل الغمز، ومثل هذا الكلام قد يكون في المحاورات، وليس تكلّفه أكثر من بعض الوجوه التي ذكرها الأفاضل الكرام، وبه يتّضح النسبة بين القامتين؛ إذ طول قامة مستوى الخلقة ثلاثة أذرع ونصف تقريبا، فإذا كان طول قامته الاُولى سبعين بذلك الذراع تكون نسبة القامة الثانية إلى الاُولى نسبة الواحد إلى عشرين، أي نصف عشر. وينطبق الجواب على السؤال؛ إذ الظاهر منه أنّ غرض السائل استعلام طول قامته الاُولى، فلعلّه كان يعرف طول قامته الثانية؛ لاشتهاره بين أهل الكتاب، أو المحدِّثين من العامّة بما رووا عن الرسول صلى الله عليه و آله من ستّين ذراعا، ۱۱ فمع صحّة تلك الرواية يعلم بانضمام ما أوردناه في حلّ خبر الكتاب أنّه عليه السلام كان طول قامته أوّلاً ألفا ومأتي ذراع بذراع من كان في زمن الرسول صلى الله عليه و آله ، أو بذراع من كان في زمن آدم عليه السلام من أولاده.
الثامن: ما خطر ببالي أيضا، لكن وجدته بعد ذلك منسوبا إلى بعض الأفاضل من مشايخنا رحمه الله، وهو أنّ الباء في قوله: «بذراعه» للملابسة؛ يعني: صيّر طول آدم سبعين ذراعا بملابسة ذراعه، أي كما قصر من طوله قصر من ذراعه؛ لتناسب أعضائه، وإنّما خصّ بذراعه؛ لأنّ جميع الأعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع. والمراد حينئذٍ بالذراع في قوله عليه السلام : (سبعين ذراعا) إمّا ذراع من كان في زمن آدم عليه السلام ، أو من كان في زمان من صدر عنه الخبر، وهذا وجهٌ قريب.
التاسع: أن يكون الضمير في قوله: «بذراعه» راجعا إلى جبرئيل عليه السلام ، أي بذراعه عند تصوّره بصورة رجل ليغمزه. ولا يخفى بُعده من وجهين:
أحدهما: عدم انطباقه على ما ذكر في هذا الكتاب؛ إذ الظاهر أنّ «صيّر» هنا بصيغة الأمر، فكان الظاهر على هذا الحلّ أن يكون بذراعك. ويمكن توجيهه؛ إذ قرئ بصيغة الماضي بتكلّف تامّ.
وثانيهما: عدم جريانه في أمر حوّاء لتأنيث الضمير إلّا أن يتكلّف بإرجاع الضمير إلى اليد. ولا يخفى ركاكته وتعسّفه.
العاشر: أن يكون الضمير راجعا إلى الصادق عليه السلام ، أي أشار عليه السلام إلى ذراعه، فقال: صيّره سبعين ذراعا بهذا الذراع، أو إلى عليّ عليه السلام ؛ لما سبق أنّه كان في كتابه. وهذا إنّما يستقيم على ما في بعض النسخ؛ فإنّ فيها في الثاني أيضا: «بذراعه». وعلى تقديره يندفع الإشكال الأخير في الحلّ السابق أيضا، لكن البُعد عن العبارة باقٍ .
ثمّ اعلم أنّ الغمز يمكن أن يكون باندماج الأجزاء وتكاثفها. ۱۲

1.الصحاح، ج ۳، ص ۱۱۶۹ (هبط).

2.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۱۰ (ثنى).

3.النهاية، ج ۱، ص ۲۲۶ (ثنا).

4.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۲۰۹ (أفق).

5.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۲۳ (ذرع).

6.الصحاح، ج ۶، ص ۲۴۰۱ (صفا) مع التلخيص.

7.في المصدر: «الزمهرير».

8.اُنظر: تفسير القرطبي، ج ۶، ص ۱۲۶.

9.بحار الأنوار، ج ۱۱، ص ۱۱۵، ح ۴۱.

10.في المصدر: + «وإن أتت ببعيد عن الأفهام».

11.مسند أحمد، ج ۲، ص ۲۳۱ و ۲۵۳ و ۵۳۵؛ كنز العمّال، ج ۱۵، ص ۶۰۶، ح ۴۲۴۰۸.

12.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۷۱ ـ ۱۷۷.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 264582
صفحه از 607
پرینت  ارسال به