متن الحديث السادس عشر والثلاثمائة
۰.أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَخِي أَبِي شِبْلٍ ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ابْتِدَاءً مِنْهُ : «أَحْبَبْتُمُونَا وَأَبْغَضَنَا النَّاسُ ، وَصَدَّقْتُمُونَا وَكَذَّبَنَا النَّاسُ ، وَوَصَلْتُمُونَا وَجَفَانَا النَّاسُ ، فَجَعَلَ اللّهُ مَحْيَاكُمْ مَحْيَانَا ، وَمَمَاتَكُمْ مَمَاتَنَا ، أَمَا وَاللّهِ مَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَنْ يُقِرَّ اللّهُ عَيْنَهُ إِلَا أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُهُ هذَا الْمَكَانَ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ ، فَمَدَّ الْجِلْدَةَ ، ثُمَّ أَعَادَ ذلِكَ ، فَوَ اللّهِ مَا رَضِيَ حَتّى حَلَفَ لِي ، فَقَالَ : «وَاللّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَا هُوَ لَحَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلامبِذلِكَ ؛ يَا أَبَا شِبْلٍ ، أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُصَلُّوا وَيُصَلُّوا ، فَيُقْبَلَ مِنْكُمْ وَلَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ؟ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُزَكُّوا وَيُزَكُّوا ، فَيُقْبَلَ مِنْكُمْ وَلَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ؟ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَحُجُّوا وَيَحُجُّوا ، فَيَقْبَلَ اللّهُ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ مِنْكُمْ وَلَا يَقْبَلَ مِنْهُمْ؟ وَاللّهِ مَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَلَا الزَّكَاةُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَلَا الْحَجُّ إِلَا مِنْكُمْ ، فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّكُمْ فِي هُدْنَةٍ ، وَأَدُّوا الْأَمَانَةَ ، فَإِذَا تَمَيَّزَ النَّاسُ فَعِنْدَ ذلِكَ ذَهَبَ كُلُّ قَوْمٍ بِهَوَاهُمْ ، وَذَهَبْتُمْ بِالْحَقِّ مَا أَطَعْتُمُونَا ، أَ لَيْسَ الْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ مِنْهُمْ؟» .
قُلْتُ : بَلى .
قَالَ : «فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ النَّاسَ كُلَّهُمْ ، إِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا هاهُنَا وَهاهُنَا ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ حَيْثُ أَخَذَ اللّهُ ، إِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَ جَلَّ ـ اخْتَارَ مِنْ عِبَادِهِ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، فَاخْتَرْتُمْ خِيَرَةَ اللّهِ ، فَاتَّقُوا اللّهَ ، وَأَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ ، وَإِنْ كَانَ حَرُورِيّا ، وَإِنْ كَانَ شَامِيّا» .
شرح
السند مجهول.
قوله: (إبراهيم بن أخي أبي شبل) بكسر الشين وسكون الباء.
(قال: قال لي أبي عبداللّه عليه السلام ابتداء منه) أي من غير سبق سؤال.
(ووصلتمونا وجفانا الناس).
قال الجوهري: «الوصل: ضدّ الهجران». ۱
وقال: «الجفاء ـ ممدودا ـ : خلاف البِرّ. وقد جفوت الرجل أجفوه جفاء، ولا تقل: جفيت». ۲
(فجعل اللّه محياكم محيانا) أي كمحيانا في التوفيق والهداية والرحمة والاستقامة والإرشاد.
قال الجوهري: «الحياة: ضدّ الموت. والمحيا مَفعل من الحياة، تقول: محياي ومماتي». ۳
(ومماتكم مماتنا) أي كمماتنا على الحقّ والسّد والوصول إلى السعادة التي ما لها من نفاذ. ويحتمل أن يُراد من المحيا والممات المصدر، أو الزمان، أو المكان.
(أما واللّه ما بين الرجل) أي الرجل منكم.
(وبين أن يقرّ اللّه عينه) أي يسرّه برؤية مكانه في الجنّة، ومشاهدة النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام ، وسماع البشارات منهم.
قال الفيروزآبادي: «قرّت عينه تقِرّ ـ بالكسر والفتح ـ قَرَّةً، وتضمّ وقرورا: بردت، وانقطع بكاءها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه. وأقرّ اللّه عينه وبعينه». ۴
(إلّا أن تبلغ نفسه) بسكون الفاء، أي روحه.
(هذا المكان، وأومأ بيده إلى حلقه) أي حلقومه.
(فمدّ الجلدة) أي جلدة حلقه بمدّ العنق، أو بأخذها بإصبعيه ومدّها.
(ثمّ أعاد ذلك) أي كرّر مدّ الجلدة. ويحتمل بعيد أن يكون ذلك إشارة إلى الجلدة، لا على مدّها.
(فواللّه ما رضي حتّى حلف لي).
هذه الفقرة كلام أبي الشبل، والمستتر في «رضي» ويرجع إلى أبي عبداللّه عليه السلام ، أي ما اكتفى بإسناد هذا الحديث إلى نفسه مجرّدا عن الحلف والقسم، بل سنده إلى أبيه وأكّده بالقسم: (فقال: واللّه الذي لا إله إلّا هو لحدّثني أبي محمّد بن عليّ عليه السلام بذلك) الحديث.
(يا أبا الشِبل، أما ترضون) إلى قوله: (ولا الحجّ إلّا منكم).
فيه تسلية للشيعة، وشفاء لصدره؛ إذ إنّ هلاك مخالفيهم يشفي غيظ صدورهم، كذلك بقاء تلك المخالفين على أعمالهم الفاسدة وأفعالهم الكاسدة، وحرمانهم من الأجر والثواب، وقبول أعمال المؤمنين، وكونهم مثابين بها، يشفي غيظ صدورهم.
(فاتّقوا اللّه عزّ وجلّ) في ارتكاب المناهي، وترك الأوامر خصوصا التقيّة.
وقوله: (فإنكم في هدنة) تعليل للأمر بالاتّقاء المتضمّن للأمر بالتقيّة؛ يعني أنّكم في مصالحة مع مخالفيكم إلى زمان ظهور دولة الحقّ، فلا يسوغ لكم الآن إظهار مخالفتهم.
قال الجوهري: «هَدَنَ يَهْدُنُ هدونا: سكن. وهدنه، أي سكنه، يتعدّى ولا يتعدّى. وهادنه: صالحه. والاسم منهما: الهُدنة، بالضمّ». ۵
(وأدّوا الأمانة) إلى أهلها، وإن كان مخالفا أو كافرا، كما هو مفاد عموم الآية، ويدلّ عليه آخر الخبر، ويجيء أيضا من الأخبار ما يدلّ على ذلك.
(فإذا تميّز الناس) أي اختلاف آراؤهم عند مضلّات الفتن.
(فعند ذلك ذهب كلّ قوم بهواهم، وذهبتم بالحقّ).
الباء في الموضعين للتعدية، أو بمعنى «مع». ويحتمل بعيدا كونها بمعنى «إلى». والمراد بكلّ قوم أهل الخلاف.
(ما أطعتمونا) أي ما دمتم مطيعين لنا. والظرف متعلّق ب«ذهبتم».
والظاهر أنّ المراد بالإطاعة الإطاعة في الأعمال والعقائد جميعا، لا الثاني فقط، ولا مجرّد الإقرار.
(ليس القضاة والاُمراء وأصحاب المسائل) أي الفقهاء وأهل الإفتاء.
(منهم) أي من المخالفين والاستفهام للتقرير.
وفيه إيماء إلى شدّتهم وكثرتهم، وظهور شوكتهم، فهو بمنزلة تعليل آخر للأمر بالاتّقاء، أو تعليل للهدنة، والغرض الترغيب في المماشاة والمداراة معهم، والتقيّة منهم لقوّتهم وكثرتهم، وضعف أهل الحقّ وقلّتهم.
(فإنّكم لا تطيقون الناس) أي المخالفين.
(كلّهم).
والمراد عدم الإطاقة في إظهار خصومتهم ومنازعتهم، وعدم إمكان مقاومتهم؛ لما ذكر.
(إنّ الناس أخذوا ههنا وههنا) إشارة إلى عدم استناد بأخذهم على أصل صحيح، وخروجهم عن جادّة الحقّ وطريق الهداية، وتفرّقهم إلى اليمين والشمال، وسلوكهم طريق الغواية والضلالة.
(وإنّكم أخذتم حيث أخذ اللّه ) أي موضع اختاره اللّه ، وأمر عباده بالأخذ منها، وهو النبيّ صلى الله عليه و آله ، والحجج عليهم السلام ، وأهل الذِّكر الذين أمر اللّه بسؤالهم، واُولي الأمر الذين أمر بإطاعتهم، والصادقين الذين أمر بالكون معهم.
قال الفيروزآبادي:
الأخذ: التناول، والسيرة، وذهبوا ومن أخذ أخذهم بكسر الهمزة وفتحها، ورفع الدالّ ونصبها، ومن أخذه أخذهم ويكسر، أي سار بسيرتهم، وتخلّق بخلائقهم. ۶
وقوله عليه السلام : (إنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ اختار من عباده محمّدا صلى الله عليه و آله ) كالتفسير والبيان لقوله: «حيث أخذ اللّه ». وقوله: (فاخترتم خيرة اللّه ) لقوله: «وإنّكم أخذتم».
وقوله: (فاتّقوا اللّه ، وأدّوا الأمانات) كالتأكيد للأمر بأداء الأمانة.
والحروري: من الخوارج، منسوب إلى الحروراء ـ بالمدّ، وقد يقصّر ـ وهي قرية قرب الكوفة، كان أوّل اجتماعهم بها، فنسبوا إليها. والمراد بالشامي نواصب الشام مطلقا، أو بنو اُميّة أيضا.
1.الصحاح، ج ۵، ص ۱۸۴۲ (وصل).
2.الصحاح، ج ۶، ص ۲۳۰۳ (جفا) مع التلخيص.
3.الصحاح، ج ۶، ص ۲۳۲۴ (حيا) مع التلخيص.
4.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۱۵ (قرر) مع التلخيص.
5.الصحاح، ج ۶، ص ۲۲۱۷ (هدن).
6.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۳۵۰ (أخذ) مع التلخيص.