309
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند مقطوع مجهول.
قوله عليه السلام : (من كانت له حقيقة ثابتة).
لعلّ المراد بالحقيقة الإيمان الخالص الذي يحقّ أن يقال: إنّه إيمان، من قولهم: هو حقيقٌ به؛ أي جدير. أو من الحقيقة، ضدّ المجاز. أو من: حَقَّ الأمر حقّة ـ بالفتح ـ أي وجب، ووقع بلا شكّ.
والمراد بالثابتة الراسخة التي لا تتغيّر ولا تتبدّل عند عروض الشبهات المظلمة ووقوع الفتن المضلّة.
قال في النهاية فيه: «لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه. يعني: خالص الإيمان ومحضه وكنهه» ۱ انتهى.
وقيل: هو من رَسَخَتْ له حقيقة العهد الأوّل المأخوذ عليه بالولاية، [أو حقيقة الإيمان]، أو من كان طبعه مستقيما على فطرته الأصليّة. ۲
(لم يقم على شبهة هامدة).
قال الفيروزآبادي:
الهامد: البالي المسودّ المتغيّر واليابس [من النبات]. ومن المكان: ما لا نبات به. والهمود: الموت، وطفوء النار، أو ذهاب حرارتها، وتقطّع الثوب من طول الطيّ، انتهى. ۳
ولعلّ المراد بالشبهة شبهات أهل التشكيك في اُصول الدِّين، أو مطلقا. ووصفها بالهامدة؛ لكونها باطلة عاطلة لا حقيقة لها، ولا يترتّب ثمرة عليها ولا ينتفع بها.
وقيل: المراد بها كلّ أمرٍ مشتبه في دينه لم يعلم حقيقته. ۴
وعلى التقديرين المراد بعدم الإقامة عليها الكدّ والاهتمام في دفعها وإزالتها، أو طلب ما هو اليقين الحقّ فيها، والوصول إلى كنهها وغورها، كما أشار إليه بقوله: (حتّى يعلم منتهى الغاية).
الغاية: المَدى، والنهاية. وعلى الأوّل الإضافة لاميّة، أي غاية امتداد ذلك الأمر. وعلى الثاني بيانيّة، أي غاية ذلك الأمر.
والحاصل: أنّ الشبهات كثيرا ما تعتري الإنسان في طريق الحقّ، فإذا وقف عندها ولم يجتهد في دفعها، لم يصل إلى ما هو الحقّ الحقيق بالاتّباع، وإذا تأمّل فيها وتجاوز عنها بقوّة فكره وتأييد ربّه ونور عقله، وصل إليه وانتفع به.
ثمّ أشار إلى مأخذ العلم بمنتهى الغاية وطريق الوصول إليه بقوله: (ويطلب الحادث من الناطق عن الوارث).
الظرف الأوّل متعلّق بالحادث، أو بالطلب، والثاني بالناطق. ولعلّ المراد بالحادث الحكم والأمر الذي حدث في أيّ واقعة كان من الاُمور الدينيّة، وبالناطق الراوي، وبالوارث الإمام المعصوم الذي هو وارث علوم النبي صلى الله عليه و آله ، أي وصيّ يطلب ذلك الأمر الذي يحدث ويصدر من الراوي الذي ينطق ويخبر عن الإمام الوارث.
ويحتمل أن يكون المراد بالناطق الإمام الذي ينطق عن إمام آخر هو وارث علم النبيّ صلى الله عليه و آله .
ولا يبعد أن يُراد بالناطق الإمام مطلقا، وبالوارث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فإنّه وارث علوم سائر الأنبياء والمرسلين.
وقيل: المراد بالوارث هو اللّه تعالى؛ فإنّه سبحانه هو الباقي بعد فناء كلّ شيء. ۵
(وبأيّ شيء جهلتم ما أنكرتم، وبأيّ شيء عرفتم ما أبصرتم).
يحتمل كون الواو الاُولى للاستئناف؛ لإفادة أنّ الطالب المذكور هو الذي يصل إلى ما هو الحقّ والصواب من الجهل والإنكار بما يجب إنكاره، والعلم واليقين ممّا يجب معرفته والتصديق به. يُقال: جهله ـ كسمعه ـ ضدّ علمه. وكونه بالتشديد من التجهيل، وهو النسبة إلى الجهل، محتمل بعيد. والإنكار: ضدّ الإقرار. والإنكار أيضا: عدم المعرفة.
والحاصل: أنّكم بطلب العلم من مأخذه أنكرتم طرق الضلال والغواية وعرفتم سُبل الرّشاد والهداية.
وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم المعرفة، أي فارجعوا إلى أنفسكم، وتفكّروا في أنّ ما جهلتموه؟ لأيّ شيء جهلتموه ليس جهلكم إلّا من تقصيركم في الرجوع إلى أئمّتكم، وفي أنّ ما عرفتموه لأيّ شيء عرفتموه؟ لم تعرفوا إلّا بما وصل إليكم من علومهم. ۶
وقال بعض الشارحين:
الظاهر أنّ قوله: «وبأيّ شيء جهلتم ما أنكرتم» عطف على «منتهى الغاية»؛ أي حتّى يعلم بأيّ سبب أنكرتم ما أنكرتم من ولاية الظالمين، وهو كونهم جاهلين غاصبين للولاية، غير منصوبين من قبل اللّه ورسوله؟ وبأيّ شيء عرفتم ما أبصرتم من ولاية الإمام العادل العالم المنصوب بأمر اللّه تعالى. ۷
(إن كنتم مؤمنين)
بكسر الهمزة، أي إن كنتم آمنتم بهم، عرفتم ذلك، وعلمتم أنّه لا شكّ فيه.
وقيل: التقدير: فتمسّكوا بعروة اتّباعهم إن أحببتم أن تكونوا من المؤمنين، ۸ وهو بعيد.
ويحتمل فتح الهمزة بتقدير اللّام تعليلاً للإنكار والمعرفة.
وقال الفاضل الإسترآبادي:
هذا الحديث الشريف ناظر إلى ما في توقيع المهدي عليه السلام ، وما في كلام آبائه الطاهرين عليهم السلام من قوله عليه السلام : «أمّا الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه عليهم». وقولهم عليهم السلام «نحن العلماء، وشيعتنا المتعلّمون». ۹
ومعنى الحديث: من كانت له رغبة تامّة في الدِّين لم يقع بالاُمور الظنّيّة، ويطلب ويسعى حتّى يحصل له اليقين بالجماعة المنصوبين من عنده تعالى لحفظه كلّ ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ يطلب الواقعة الحادثة من الناطق عن وارث العلم، أي من راوي أحاديث الأئمّة عليهم السلام . وأمّا قوله عليه السلام : «وبأيّ شيء» فمعناه: بأيّ شيء أنكرتم ما أنكرتموه؟ أي طريق العامّة. وبأيّ شيء عرفتم ما عرفتموه؟ أي طريقة الخاصّة. وهو أنّه لابدّ من اليقين في اُمور الدِّين كلّها، ولا يقين إلّا في طريقة الخاصّة «إن كنتم مؤمنين»: تعرفون هذا.

1.النهاية، ج ۱، ص ۴۱۵ (حقق).

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۱.

3.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۳۴۸ و ۳۴۹ (همد) مع التلخيص والتقدّم و التأخّر.

4.ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۰۳.

5.ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۱.

6.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۰۴.

7.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۱ مع اختلاف يسير في اللفظ.

8.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۰۴.

9.قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۰۴.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
308

متن الحديث الثاني والثلاثين والثلاثمائة

۰.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ ، عَنْ زَيْدٍ أَبِي الْحَسَنِ۱، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «مَنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ ، لَمْ يَقُمْ عَلى شُبْهَةٍ هَامِدَةٍ حَتّى يَعْلَمَ مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَيَطْلُبَ الْحَادِثَ مِنَ النَّاطِقِ عَنِ الْوَارِثِ ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ جَهِلْتُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْتُمْ مَا أَبْصَرْتُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .

1.في بعض نسخ الكافي: «زيد بن الحسن».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238536
صفحه از 607
پرینت  ارسال به