323
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

متن الحديث السابع والثلاثين والثلاثمائة

۰.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ لِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ : «يَا حُمْرَانُ ، انْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ دُونَكَ فِي الْمَقْدُرَةِ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ فِي الْمَقْدُرَةِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أَقْنَعُ لَكَ بِمَا قُسِمَ لَكَ ، وَأَحْرى أَنْ تَسْتَوْجِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ رَبِّكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ الْقَلِيلَ عَلَى الْيَقِينِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللّهِ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ عَلى غَيْرِ يَقِينٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَرَعَ أَنْفَعُ مِنْ تَجَنُّبِ مَحَارِمِ اللّهِ ، وَالْكَفِّ عَنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَاغْتِيَابِهِمْ ، وَلَا عَيْشَ أَهْنَأُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ ، وَلَا مَالَ أَنْفَعُ مِنَ الْقُنُوعِ بِالْيَسِيرِ الْمُجْزِي ، وَلَا جَهْلَ أَضَرُّ مِنَ الْعُجْبِ» .

شرح

السند حسن.
قوله: (عليّ بن إبراهيم) عطف [على] «عدّة».
(عن أبيه): إبراهيم بن هاشم.
(جميعا)؛ يعني سهل بن زياد وإبراهيم بن هاشم، رويا جميعا عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم بن سالم.
وقوله: (انظر إلى من هو دونك) أي أدنى منك، أي ضعف.
(في المقدرة) بتثليث الدال، أي الغنى، والقوّة، واليسار.
(ولا تنظر إلى من [هو] فوقك) أي أعلى منك وأقوى.
(في المقدرة؛ فإنّ ذلك) أي النظر إلى الأوّل، والإغماض من الثاني.
(أقنع لك) أي أدخل في الرِّضا بالقسم والنصيب.
(وأحرى) أي أليق.
(أن تستوجب الزيادة من ربّك) أي بأن تستحقّ زيادة النعمة منه تعالى.
قيل: السرّ في ذلك أنّ الرضا بالنعمة الواصلة ومعرفة قدرها تعظيم للمنعم، وهو شكر له، وهو يوجب الزيادة بخلاف نظرك إلى الفوق؛ فإنّه يوجب عدم القناعة والرضا بما في يديك، وهو كفران يوجب زوال النعمة وسخط المُنعم. ۱
(واعلم أنّ العمل الدائم القليل على اليقين).
قيل: المراد اليقين بالقضاء والقدر، أو باُمور الآخرة، أو بجميع ما يجب الإيمان [به]، وقد اُطلق على جميع ذلك في الأخبار. ۲
وعرّفوا اليقين بأنّه العلم الجازم الثابت الراسخ المطابق للواقع. وبعبارة اُخرى العلم بالحقّ مع العلم بأنّه لا يكون خلافه، فهو في الحقيقة مركّب من علمين، كما صرّح به بعض المحقّقين، ۳ فيندرج فيه العلم بالمبدأ والمعاد والنبوّة والإمامة وغيرها ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله .
واعتبر بعضهم [في] التعريف ظهور آثاره على الجوارح، وقال: «اليقين: هو العلم الكامل الثابت في القلب الذي ظهرت آثاره على الجوارح»، ۴ وكأنّه من قبيل تعريف الشيء بأخذ لازمه بمنزلة ذاتيّاته، تنبيها على شدّة الاتّصال بينهما.
(أفضل عند اللّه ـ جلّ ذكره ـ من العمل الكثير على غير يقين).
قيل: لابدّ من تقييد العمل الكثير بالدوام؛ ليتحقّق أنّ الفضل من جهة اليقين. ۵
(واعلم أنّه لا ورعَ أنفع من تجنّب محارم اللّه ).
لعلّ المراد أنّ هذا الورع أنفع من ورع من يجتنب المكروهات والشُّبهات، ولا يبالي بارتكاب المحرّمات. والورع ـ بالتحريك ـ : التحرّج، والتضيّق، والجبن، والكفّ، هذا أصله. وقيل: هو في الأصل الكفّ عن محارم اللّه ، ثمّ استُعير للكفّ عن المباح كالشبهات، وعن الحلال الذي يتخوّف منه أن ينجرّ إلى الحرام، وعمّا سوى اللّه تعالى للتحرّز عن صرف العمر ساعة فيما لا يفيد زيادة القُرب والأوّل أعني الكفّ عن المحارم أنفع، والعقوبة على ارتكابها أشدّ بخلاف البواقي، ۶ انتهى.
وقوله عليه السلام : (الكفّ عن أذى المؤمنين واغتيابهم) من قبيل عطف الخاصّ على العامّ؛ للاهتمام لكونهما أشدّ قبحا، وأقوى فسادا، وأبعد عفوا، وأصعب توبة.
(ولا عيش أهنى من حُسن الخلق).
في بعض النسخ: «أهنأ»، وهو الظاهر؛ لأنّ الهمزة تكتب بجنس حركة ما قبلها. قال الجوهري في المهموز: «كلّ أمرٍ يأتيك من غير تعب، فهو هنيء». ۷
وفي القاموس: «العيش: الحياة، وما يعاش به». ۸
وقيل: المقصود أنّ حسن خلق الرجل مع بني نوعه أدخل في نضارة عيشه من المال ونحوه؛ لأنّه يوجب ميلهم إليه، ونصرتهم له، بخلاف سوء خلقه؛ فإنّه يوجب تنفّرهم عنه، وإضرارهم له. وكلّ ذلك يوجب تكدّر عيشه وإن كان ذا مال. ۹
(ولا مال أنفع من القنوع) بالضمّ، أي القناعة والرِّضا.
(باليسير) أي القليل، أو الهيّن.
(المجزي).
قال الفيروزآبادي في المهموز: «أجزأ الشيء [إيّاىِ]، أي كفاني. وأجزأت عنك مجزأ فلان، ومجزأته، ويضمّان: أغنيت عنك مغناه». ۱۰
وقال في الناقص: «أجزى كذا عن كذا: قام مقامه ولم يكف. وأجزى عنه مجزئ ومجزأته ـ بضمّهما وفتحهما ـ : أغنى عنه، لغة في الهمزة» ۱۱ انتهى.
وقال بعض الشارحين:
شبّه القنوع باليسير المجزي ـ وهو الكفاف بالمال في النفع وتنظيم الأحوال وعدّه أنفع [أفراده] لأنّ الأقلّ والأكثر منه يشوّش القلب ويفسده، ويُتعب البدن، ويضرّ بالدِّين ويبطله، كما أنّ الماء الذي يكفي في تعمير الأرض يعمرها، والأقلّ والأكثر منه يفسدها. ۱۲
(ولا جهل أضرّ من العجب).
العُجب ـ بالضمّ ـ : اسم من قولهم: أعجب فلان بنفسه وبرأيه، على البناء للمفعول، أي عَجِبَ وسُرّ. ويعدّ بأنّه حالة نفسانيّة تنشأ من تصوّر الكمال، واستعظامه، وإخراج النفس عن حدّ النقص والتقصير، وهو يتعلّق بجميع الخصال مثل العلم والعبادة والجود والمال والنسب والجمال وغير ذلك.
والجهل في الأصل: عدم العلم. وكثيرا ما يُطلق على الآثار الناشئة منه. والمراد من الجهل هنا المعنى الأخير؛ لأنّ العجب من الآثار التي تنشأ من الجهل لعيوب النفس ونقايصها. وقيل في توجيه هذا الكلام: العجب والجهل سواء في الأصل الإضرار والإهلاك وفساد القلب، إلّا أنّ العجب أقوى في ذلك وأضرّ من الجهل؛ لأنّ تفويت المنافع الحاصلة أشدّ وأصعب وأدخل في الحزن من عدم تحصيلها ابتداءً، ولأنّ فكر الجاهل في التندّم من الجهل، وفكر المعجب في التبختر والتعظّم وادّعاء الشركة بالباري، ومن ثمّ روي: «أنّ الذنب خيرٌ من العجب، وأنّه لولا العجب لما أخلا اللّه تعالى بين عبده المؤمن وبين الذنب أبدا»، ۱۳ فجعل الذنب فداء من العجب؛ لكونه أشدّ منه. ۱۴

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۶ مع التلخيص و اختلاف يسير فى اللفظ.

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۰۹.

3.هو المحقّق الطوسي رحمه الله، صرّح به في أوصاف الأشرف، ص ۷۷.

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۰۹.

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۶.

6.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۶ مع التلخيص و اختلاف في اللفظ.

7.الصحاح، ج ۱، ص ۸۴ (هنأ).

8.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۲۸۰ (عيش) مع التلخيص.

9.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۶ مع تلخيص و اختلاف يسير في اللفظ.

10.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۱۰ (جزأ).

11.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۱۲ (جزي).

12.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۷.

13.اُنظر: عدّة الداعي، ج ۲، ص ۹۵.

14.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۷ مع اختلاف يسير في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
322
  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238611
صفحه از 607
پرینت  ارسال به