شرح
السند ضعيف.
في بعض النسخ: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه».
والسند على التقديرين حسن على احتمال.
(قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عنهما) أي عن أبي بكر وعمر.
(فقال: يا أبا الفضل).
هو كُنية سدير الصّيرفي.
(ما تسألني عنهما).
لعلّ كلمة «ما» نافية بتقدير حرف الاستفهام تقريرا للسؤال السابق.
(إنّهما ظلمانا حقّنا، ومنعانا فيئنا).
قال الجوهري:
فاء يفيء فيئا: رجع. وأفاءه غيره. والفيء: الخراج، والغنيمة. تقول منه: أفاء اللّه على المسلمين مال الكفّار يفيء إفاءة. ۱
أقول: لعلّ ذكر الفيء بعد الحقّ تخصيص بعد التعميم للاهتمام والتأكيد. وقيل: لعلّ المراد بالحقّ الخلافة، وبالفيء الغنيمة والخمس والأنفال؛ لأنّ الفيء في الأصل الرجوع، والأموال كلّها للإمام، فما كان في يد غيره إذا خرج إليه بقتال فهو غنيمة، وما رجع إليه بغير قتال فهو أنفال. ۲
(وكانا أوّل من ركب أعناقنا).
ركوب الأعناق كناية عن القهر والغلبة، وإيصال المكروه والشدّة.
(وبثقا علينا في الاسلام بَثْقا لا يسكر أبدا).
في بعض النسخ: «لا يسكن أبدا».
قال الفيروزآبادي:
بثق النهر بَثْقا وبَثِقا وبَثَقا كسر شطّه ليبثق الماء كبثّقه واسم ذلك الموضع: البثق، ويكسر. الجمع: بثوق. والعين: أسرع دمعها. وانبثق انفجر. والسيل عليهم أقبل ولم يحتسبوه. ۳
وقال الجوهري: «بثق السيل موضع كذا يَنْبثقُ بُثقا وبَثِقا عن يعقوب، أي خرقه وشقّه». ۴
وقال: «السَكْر ـ بالإسكان ـ مصدر سكرت: النهر. أسكره سكرا: إذا سددته. وسكرت الريح تسكر سكورا: سكنت بعد الهبوب. وليلةٌ ساكرة: ساكنة». ۵
أقول: قوله عليه السلام : «لا يسكر» بالبناء للمفعول إن اُريد المعنى الأوّل، وللفاعل إن اُريد المعنى الثاني، والأوّل أظهر.
وقيل: فيه مكنيّة بتشبيههما بالسّيل، وتخييليّة بإثبات البثق لهما، وترشيح بذكر السِكر. ۶
(حتّى يقوم قائمنا، أو تكلّم متكلّمنا).
لعلّ الترديد من الراوي، أو يكون كلمة «أو» بمعنى الواو بقرينة ذكره ثانيا بالواو.
ونقول: المراد بالقائم المهدي عليه السلام ، كما هو المتبادر، وبالمتكلِّم مَن تصدّى لذلك قبله منهم عليهم السلام
(ثمّ قال: أما واللّه لو قد قام قائمنا، وتكلّم متكلِّمنا لأبدى) أي أظهر.
(من اُمورهما ما كان يُكتم) على البناء للمفعول.
ولعلّ المراد بهذا المكتوم قبائحهما ونفاقهما وكفرهما، وهذه وإن كانت ظاهرة عند أهل الحقّ قبل قيامه عليه السلام ، لكنّها مكتومة عند تابعيهما ومعتقديهما بشبهات عرضت لهم، فأظهرها عليه السلام لهم بإزالة تلك الشبهات ودفعها.
(ولكتَمَ) أي أخفى.
(من اُمورهما ما كان يظهر).
لعلّ المراد أنّه عليه السلام يبطل ويزيل ما كان أتباعهما يظهرونه من استحقاقهما للخلافة وعدلهما، فيكون الكتمان كناية عن المحو والإبطال، أو أنّ بعض أهل النفاق إذا اعتقدوا ذلك كتموها، ولم يجترؤوا على إظهارها خوفا منه عليه السلام .
(واللّه ما اُسّست) على البناء للمفعول.
في بعض النسخ: «ما أمْسَست». والتأسيس: وضع الأساس، وهو أصل البناء، وبيان حدود الدار، ورفع قواعدها.
وقوله عليه السلام : (من بليّة) قائم مقام فاعل «أسّست».
قال الجوهري: «البليّة والبلوى ۷ والبلاء واحد، وبلوته بلوا جرّبته واختبرته. وبلاه اللّه بلاءً: أي اختبره». ۸
وفي القاموس: «بلوته بلوا وبلاءً: اختبرته، وامتحنته. والاسم: البلوى، والبليّة». ۹
(ولا قضيّة).
في القاموس: «القضاء ـ ويقصر ـ : الحكم. قضى عليه يقضي قَضْيا وقضاءً وقضيّة، وهي الاسم أيضا، والصّنع والحتم والبيان. ۱۰
أقول: لعلّ المراد بتأسيس البليّة بناء الظلم والجور، وإيصال الأذى والمكروه والمحنة والمصيبة إلى أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وبتأسيس البليّة لقضيّة أحكامهم المبتدعة، وأهوائهم المخترعة، وآراءهم المموّهة في اُمور الدِّين، وصنايعهم القبيحة في نظام الإسلام، وتبدّد انتظام أحوال المسلمين، بحيث يؤدّي إلى تنفير الحقّ، عن متابعة أئمّة الحقّ وقطع يدهم عن التصرّف في اُمور الدُّنيا والدِّين، بل إلى قتلهم وتشريدهم، فقوله عليه السلام : (تجري علينا أهل البيت) صفة للبليّة والقضيّة جميعا.
(إلّا هما أسّسا أوّلها) أي أوّل تلك البليّة والقضيّة.
(فعليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين).
قال الجوهري: «اللّعن: الطّرد، والإبعاد من الخير. واللعنة الاسم». ۱۱
1.الصحاح، ج ۱، ص ۶۳ (فيأ).
2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۸.
3.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۳۱۰ (بثق).
4.الصحاح، ج ۴، ص ۱۴۴۸ (بثق).
5.الصحاح، ج ۲، ص ۶۸۸ (سكر).
6.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۸.
7.في المصدر: - «والبلوى».
8.الصحاح، ج ۶، ص ۲۲۸۴ (بلا).
9.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۰۵ (بلي) مع التصرّف.
10.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۷۸ (قضي).
11.الصحاح، ج ۶، ص ۲۱۹۶ (لعن).