337
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

متن الحديث الواحد والأربعين والثلاثمائة

۰.حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «صَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْمِنْبَرَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا ، أَلَا إِنَّكُمْ مِنْ آدَمَ عليه السلام وَآدَمُ مِنْ طِينٍ ، أَلَا إِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللّهِ عَبْدٌ اتَّقَاهُ ، إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بِأَبٍ وَالِدٍ ، وَلكِنَّهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ ، فَمَنْ قَصَرَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُبْلِغْهُ حَسَبُهُ ، أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ إِحْنَةٍ ـ وَالْاءِحْنَةُ الشَّحْنَاءُ ـ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي هذِهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

شرح

السند كسابقيه.
قوله: (إنّ اللّه قد أذهب عنكم) أي رفع من بينكم بأن نهاكم وأمركم بالكفّ.
(نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها) وجعل الشرف والمجد بالإسلام.
قال الفيروزآبادي: «نخا ينخو نخوة: افتخر، وتعظّم، كنُخى [وانتخى] كعُنَى، وفلانا: مدحه». ۱
وقال: «الفخر ـ ويحرّك ـ : التمدّح بالخصال. وتفاخروا: فخر بعضهم على بعض». ۲
(ألّا إنّكم من آدم عليه السلام ، وآدم من طين).
فمن كان أصله من طين، فاللّائق بحاله مقتضاه، وهو السكينة والتواضع.
وقيل: الظاهر أنّ كلّ واحد من هذين يقتضي انتفاء كلّ واحد من النخوة والتفاخر، وتخصيص الأوّل بالأوّل والثاني بالثاني بعيد. ۳ ولما نفى كون الانتساب بالآباء منشأ للتفاخر والتعظّم أراد أن يشير إلى ما هو سبب قريب موجب تامّ للتشرّف والخيريّة الكاملة من عند اللّه حثّا عليه وترغيبا في تحصيله، فقال: (ألّا أنّ خير عباد اللّه عبدٌ اتّقاه).
أي التزم طاعته واحترز من معصيته؛ فإنّ كمال النفوس وخيريّتها وتفاضل الأشخاص إنّما هو بالتقوى، فمن أراد شرفا فليلتمس منها.
(إنّ العربيّة ليست بأب ووالد).
لعلّ الباء للسببيّة، والمراد بالعربيّة الشرف والمجد والعلوّ الحاصلة بالانتساب بالعرب، أو بالملّة النبويّة العربيّة؛ يعني: أنّها ليست بمجرّد الانتماء بالأب، ومن جهة الاغتراء إليه حتّى تكون سببا للتفاخر ومنشأً له. ويحتمل كون الباء زائدة؛ يعني: أنّها ليست أبا ووالدا لأحد حتّى يتفاخر بالانتساب إليها، وكونه متولّدا منها.
(ولكنّها) أي العربيّة.
(لسان ناطق) بالشهادتين، والإقرار والاعتراف بدين الحقّ، فالعرب من كان على الدِّين القويم، وإن كان من العجم، كما مرّ في السابع والثمانين والمائتين، وبهذه الحيثيّة يصير من أهل الشرف والتفاخر.
وقيل: يحتمل أن يُراد بالعربيّة، اللغة العربيّة والانتساب إلى إبراهيم عليه السلام ، فيكون ردّا على مشركي العرب وأضرابهم ممّن يتفاخر بها على غيرهم بأنّ المنتسب إليه كلّ من تكلّم بالحقّ وإن لم يكن من أولاده. ۴
(فمن قصر به عمله).
الباء للتعدية، أو للتقوية، أي كان عمله ناقصا. قال الفيروزآبادي:
القصر والقِصَر ـ كعِنب ـ : خلاف الطول. وقصر ـ ككرم ـ فهو قصير. والقصر: خلاف المدّ، واختلاط الظلام، والحبس. وقصر عن الأمر قصورا وقصّر: انتهى. وعنه: عجز. وقصّر عنه: تركه، وهو لا يقدر عليه. ۵
(لم يبلغه حسبه) أي لم يصل إليه حسبه، ولم ينفعه مفاخر آبائه، ولم يؤثّر في كماله.
وفي بعض النسخ: «لم يبلغ»، وهو إمّا بتقدير لم يبلغه، أو معناه: لم يبلغ إلى الكمال، والمآل واحد.
والحاصل: أنّ الشرف والكمال يكون بالأعمال، لا بالآباء، ومضمون هذه الفقرات الشريفة إشارة إلى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ»۶ .
(ألا إنّ كلّ دم في الجاهليّة أو إحنة).
في القاموس: «الإحنة ـ بالكسر ـ : الحقد، والغضب. والجمع كعِنَب. وقد أحِنَ ـ كسمع ـ فيهما». ۷
(والإحِنة الشحناء).
في القاموس: «الشحناء: العداوة. وشحن عليه ـ كفرح ـ : حقد». ۸
(فهي تحت قدمي) بسكون الياء، بقرينة قوله: (هذه إلى يوم القيامة).
في القاموس: «القدم ـ محرّكة ـ : الرِّجل، مؤنّثة، ووضع القدم مثلٌ للردع والقمع». ۹
وقال ابن الأثير:
يُقال للأمر تريد إبطاله: وضعته تحت قدمي. ومنه الحديث: ألا إنّ كلّ دم ومأثرة في الجاهليّة ۱۰ تحت قدمي هاتين. أراد إخفائها وإعدامها، وإذلال أمر الجاهليّة ونقض سنّتها ۱۱ ، انتهى.
وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ القتل الذي وقع في الجاهليّة يبطل حكمه في الإسلام، ويكون هذا مختصّا بصدر الإسلام، ويحتمل اطّراده. أو المراد إبطال الدِّماء التي كانت بين القبائل، وكانوا يقاتلون عليها أعواما كثيرة، وكانوا يقتلون لدمٍ واحد آلافا، ولا يقنعون بقتل واحد ولا بالدية. ۱۲

1.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۹۴ (نخو).

2.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۰۸ (فخر).

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱، ص ۳۳۹.

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۹.

5.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۱۷ (قصر) مع التلخيص.

6.. الحجرات (۴۹): ۱۳.

7.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۱۹۵ (أحن).

8.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۳۹ (شحن) مع التلخيص و التصرّف.

9.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۱۶۱ (قدم) مع التلخيص.

10.في المصدر: - «في الجاهليّة».

11.النهاية، ج ۴، ص ۲۵ (قدم).

12.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۱۵.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
336
  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238598
صفحه از 607
پرینت  ارسال به