95
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

متن الحديث الواحد والأربعين والمائتين

۰.مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ عِمْرَانَ۱بْنِ مِيثَمٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَرَأَ رَجُلٌ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ»۲ » فَقَالَ : «بَلى وَاللّهِ لَقَدْ كَذَّبُوهُ أَشَدَّ التَّكْذِيبِ ، وَلكِنَّهَا مُخَفَّفَةٌ «لا يُكْذِبُونَكَ» : لَا يَأْتُونَ بِبَاطِلٍ يُكَذِّبُونَ بِهِ حَقَّكَ» .

شرح

السند صحيح على الظاهر.
قوله عليه السلام : (قرأ رجلٌ على أمير المؤمنين عليه السلام ).
قيل: الظاهر أنّ الرجل أراد بآيات اللّه أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام ، وقد روي تفسيرها بهم، ولا ينافيه صدقها على آيات القرآن أيضا. ۳
(فإنّهم لا يكذّبونك).
قال البيضاوي:
يعني أنّهم لا يكذّبونك في الحقيقة. وقرأ نافع والكسائي: «لا يكذّبونك» من الكذب، إذا وجده كاذبا، أو نسبة إلى الكذب.
«وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ» ولكنّهم يجحدون بآيات اللّه ويكذبونها، فوضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم، أو جحدوا لتمرّنهم على الظلم، والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب. ۴
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله:
قرأ نافع والكسائي والأعشى عن أبي بكر: «لا يكذبونك» بالتخفيف، وهو قراءة علي عليه السلام ، والمرويّ عن جعفر الصادق عليه السلام والباقون: «يكذّبونك» بفتح الكاف والتشديد. فمن ثقّل فهو من «فعّلته» إذا نسبته إلى الفعل، مثل زنّيته وفسّقته، إذا نسبته إلى الزنا، وقد جاء في هذا المعنى: «أفعلته»، يُقال: أسقيته، أي قلت له: سقاك اللّه ، فيجوز على هذا أن يكون معنى القرائتين واحدا، ويجوز أن يكون «لا يكذبونك» [أي] لا يصادفونك كاذبا، كما تقول: أحمدته، إذا أصبته محمودا.
قال أحمد بن يحيى: كان الكسائي يحكي عن العرب: أكذبت الرجل، إذا أخبرت أنّه جاءك بكذب. وكذبته: إذا أخبرت أنّه كذّاب. ۵
ثمّ قال:
واختلف في معناه على وجوه:
أحدها: أنّ معناه: لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا، وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عنادا، وهو قول أكثر المفسّرين، عن أبي صالح، وقتادة، والسدي، وغيرهم، قالوا: يريد أنّهم يعلمون أنّك رسول، ولكن يجحدون بعد المعرفة، ويشهد لهذا الوجه ما روى سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقي أبا جهل، فصافحه أبو جهل، فقيل له في ذلك، فقال: واللّه إنّي لأعلم أنّه صادق، ولكنّا متى كنّا تبعا لعبد مناف، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال السّدي؛ التقى أخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام، فقال له: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمّد أصادقٌ هو أم كاذب؟ فإنّه ليس هنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا. فقال أبوجهل: ويحك، واللّه إنّ محمّدا لصادق، وما كذب قطّ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوّة، فما يكون لسائر قريش؟
وثانيها: أنّ المعنى لا يكذبوك بحجّة، ولا يتمكّنون من إبطال ما جئت به ببرهان، ويدلّ عليه ما روي عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقرأ: «لا يكذبونك» ويقول: «إنّ المراد بها أنّهم لا يأتون بحقّ هو أحقّ من حقّك».
وثالثها: إنّ المراد: لا يصادفونك كاذبا، تقول العرب: قاتلناكم فما أجبناكم، أي ما أصبناكم جبناء. ولا يختصّ هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف دون التشديد؛ لأنّ أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع، وأفعلت هو الأصل فيه، ثمّ يشدّد تأكيدا مثل: أكرمت وكرّمت، وأعظمت وعظّمت، إلّا أنّ التخفيف أشبه بهذا الوجه.
ورابعها: إنّ المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به؛ لأنّك كنت عندهم أمينا صدوقا، وإنّما يدفعون ما أتيت به، ويقصدون التكذيب بآيات اللّه . ويقوّي هذا الوجه قوله: «وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ» وقوله: «وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ»۶ ولم يقل: وكذبك قومك. وما روي أنّ أبا جهل قال للنبيّ صلى الله عليه و آله : ما نتّهمك ولا نكذّبك، ولكنّا نتّهم الذي جئت به ونكذّبه.
وخامسها: أنّ المراد أنّهم لا يكذبونك بل يكذّبونني؛ فإنّ تكذيبك راجع اليّ، ولست مختصّا به؛ لأنّك رسول [اللّه ]، فمن ردّ عليك فقد ردّ عليَّ، ومَن كذّبك فقد كذّبني، وذلك تسليةً منه تعالى للنبيّ صلى الله عليه و آله .
وقوله: «وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ» أي بالقرآن والمعجزات «يَجْحَدُونَ» بغير حجّة، سفها وجهلاً وعنادا، ودخلت الباء في «بِآيَاتِ اللّه ِ» والجحد يتعدّى بغير الجار [والمجرور]؛ لأنّ معناه هنا التكذيب، أي يكذبون بآيات اللّه .
وقال أبو علي: الباء تتعلّق بالظالمين، والمعنى: ولكن بردّ آيات اللّه ، أو إنكار آيات اللّه ، يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك. ۷
(فقال: بلى، ولكن ۸ كذّبوه أشدّ التكذيب).
لعلّ المراد أنّ التكذيب النسبة إلى الكذب، ولا شكّ في وقوعه في حقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلا معنى لنفيه؛ لأنّه خلاف الواقع، فينبغي قرائتها بالتخفيف، كما أشار إليه بقوله: (ولكنّها مخفّفة).
ضمير التأنيث لكلمة «لا يكذّبونك» أو لصيغته أو للآية، والتخفيف باعتبار بعضها، وقوله عليه السلام : (لا يُكْذبونك) بيان للتخفيف؛ يعني أنّها من أكذبه لا من كذّبه.
وقوله عليه السلام : (لا يأتون بباطل يكذّبون به حقّك) تفسير لقوله: «لا يُكذبونك» بالتخفيف.
قال الجوهري:
أكذبت الرجل: ألفيته كاذبا. وكذّبته: إذا قلت له: كذبتَ.
قال الكسائي: أكذبته: إذا أخبرت أنّه جاء بالكذب ورواه. وكذّبته: إذا أخبرت أنّه كاذب.
وقال ثعلب: أكذبه وكذبه بمعنى، وقد يكون أكذبه بمعنى بيّن كذبه، وقد يكون بمعنى حمله على الكذب، وبمعنى وجده كاذبا، انتهى. ۹
أقول: لعلّ المراد: أنّهم لا يقدرون بإتيان شبهة باطلة وأمارة كاذبة، بحيث يمكنهم أن ينسبوا حقّك إلى الكذب، أو يبيّنون كذبه، أو يصادفونه ويجدونه كاذبا. ويمكن قراءة قوله عليه السلام : «لا يكذبون به حقّك» بالتشديد والتخفيف.

1.في تفسير العيّاشي، ج ۱، ص ۳۵۹: «عمّار».

2.الأنعام (۶): ۳۳.

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۶۴.

4.تفسير البيضاوي، ج ۲، ص ۴۰۴.

5.تفسير مجمع البيان، ج ۴، ص ۴۱ و ۴۲ (مع التلخيص).

6.. الأنعام (۶): ۶۶.

7.تفسير مجمع البيان، ج ۴، ص ۴۲ ـ ۴۴ (مع التلخيص).

8.في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «واللّه لقد» بدل «ولكن».

9.الصحاح، ج ۱، ص ۲۱۰ (كذب).


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
94

شرح

السند ضعيف.
قوله: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» .
قال البيضاوي:
أي لعنهم اللّه في الزبور والإنجيل على لسانهما. وقيل: [إنّ] أهل أيلة لمّا اعتدوا في السبت لعنهم [اللّه على لسان] داود، فمسخهم اللّه قردة، وأصحاب المائدة لمّا كفروا دعا عليهم عيسى ولُعنوا فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل. ۱
وقال الشيخ الطبرسي:
قيل في معناه أقوال، أحدها: أنّ معناه لعنوا على لسان داود فصاروا قردة، وعلى لسان عيسى فصاروا خنازير. عن الحسن ومجاهد وقتادة.
وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : «أمّا داود، فإنّه لعن أهل أيلة لمّا اعتدوا في سبتهم، وكان اعتداؤهم في زمانه، فقال: [اللّهمّ] ألبسهم اللعنة مثل الرداء، ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم اللّه قردة. وأمّا عيسى، فإنّه لعن الذين اُنزلت عليهم المائدة، ثمّ كفروا بعد ذلك».
وثانيها ما قاله ابن عبّاس: أنّه يريد في الزبور والإنجيل. ومعنى هذا أنّ اللّه تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل، وفي الإنجيل كذلك، فلذلك قيل: على لسان داود وعيسى.
وثالثها أن يكون عيسى وداود علما أنّ محمّدا نبيٌّ مبعوث، ولعنا من يكفر به. عن الزجاج.
والأوّل أصحّ. ۲
(قال: الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى بن مريم).
كذا في تفسير العيّاشي وتفسير عليّ بن إبراهيم، لكن المشهور فيما بين المفسّرين والمؤرِّخين وفي كثير من أخبارنا عكس ذلك، أعني أنّهم مسخوا قردة على لسان داود، ومسخوا خنازير على لسان عيسى بن مريم، ويؤيّد المشهور ظاهر قوله تعالى في قصّة أصحاب السبت: «فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً» . ۳ قال بعض الأفاضل:
يمكن توجيه الأوّل بوجهين:
الأوّل: أن لا يكون هذا الخبر إشارة إلى قصّة أصحاب السبت، بل يكون مسخهم في زمان داود عليه السلام مرّتين.
والثاني أن يكونوا مسخوا في زمان النبيّين معا قردة وخنازير، ويكون المراد في الآية جعل بعضهم قردة. ۴

1.تفسير البيضاوي، ج ۲، ص ۳۵۵.

2.تفسير مجمع البيان، ج ۳، ص ۳۹۶.

3.البقرة (۲): ۶۵.

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۰۵.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238559
صفحه از 607
پرینت  ارسال به