99
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند صحيح على المشهور.
قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه ِ كَذِبا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» .
تتمّة الآية في سورة الأنعام هكذا: «وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» .
قال الشيخ الطبرسي:
اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية؛ فقيل: نزلت في مُسَيْلَمة حيث ادّعى النبوّة، إلى قوله: «وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» ، و قوله: «سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» في عبداللّه بن سعيد بن أبي سرح؛ فإنّه كان يكتب الوحي للنبيّ صلى الله عليه و آله ، فكان إذا قال له: اكتب عليما حكيما، كتب غفورا رحيما، وإذا قال له: اكتب غفورا رحيما، كتب عليما حكيما، وارتدّ ولحق بمكّة، وقال: إنّي اُنزل مثل ما أنزل اللّه . عن عكرمة، وابن عبّاس، ومجاهد، والسّدي، وإليه ذهب الفرّاء، والزجّاج، والجبائي، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام .
وقال قوم: نزلت في ابن أبي سرح خاصّة.
وقال قوم: نزلت في مُسَيلمة خاصّة. ۱
ثمّ قال:
هذا استفهام في معنى الإنكار، أي لا أحد أظلم ممّن كذب على اللّه ، فادّعى أنّه نبيّ، وليس بنبنيّ.
«أَوْ قالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» أي يدّعي الوحي ولا يأتيه، ولا يجوز في حكمة اللّه سبحانه أن يبعث كذّابا، وهذا وإن كان داخلاً في الافتراء، فإنّما أفرد بالذكر تعظيما.
«وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» . قال الزجاج: هذا جواب لقولهم: ولو نشاء لقلنا مثل هذا، فادّعوا، ثمّ لم يفعلوا، وبذلوا النفوس والأموال، واستعملوا سائر الحيل في إطفاء نور اللّه ، وأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره.
وقيل: المراد به عبداللّه بن سعد بن أبي سرح، أملى عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ» إلى قوله: «ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ» ، ۲ فجرى على لسان ابن أبي سرح: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَــلِقِينَ» ، فأملاه عليه، وقال: هكذا أنزل، فارتدّ عدوّ اللّه . وقال: لئن كان محمّد صادقا، فلقد اُوحي إليَّ كما اُوحي إليه، ولئن كان كاذبا، فلقد قلت كما قال، وارتدّ عن الإسلام، وهَدرَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دَمَهُ، فلمّا كان يوم الفتح جاء [به] عثمان وقد أخذ بيده ورسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد، فقال: يا رسول اللّه ، اُعف عنه، فسكت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أعاد فسكت، ثمّ أعاد فقال: هو لك، فلمّا مرّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ألم أقل مَن رآه فليقتله، فقال عبّاد بن بشر: كانت عيني إليك يا رسول اللّه أن تشير إليَّ فأقتله، فقال صلى الله عليه و آله : الأنبياء لا يقتلون بالإشارة. ۳
(قال: نزلت في ابن أبي سرح) بفتح السين وسكون الراء.
واسمه عبداللّه بن سعد بن أبي سرح، كما مرّ.
(الذي كان عثمان استعمله على مصر).
هذا من جملة مطاعن عثمان حيث سلّطه على المسلمين مع أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهدر دمه.
وقيل: قد احتجّوا عليه في ذلك وشنّعوه به حين أرادوا قتله. ۴
(وهو ممّن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة هدر دمه).
في القاموس:
الهَدر ـ محرّكة ـ : ما يبطل من دم وغيره، هَدَرَ يَهْدِرُ ويهدُر هَدَرا وهَدِرا وهدرته، لازم متعد وأهدرته، فعل وأفعل بمعنى. ۵
(فيقول له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : دعها) أي الآية.
ولعلّ المراد: اُتركها ولا تكتبها كما كتبت، بل اكتبها كما اُنزل، أو اسقطها وغيّرها، واكتب مكانها كما اُنزل.
قيل: معناه: دعها بحالها؛ فإنّها سترجع إلى ما اُنزل بأمر اللّه تعالى، وأيّده بما ذكر بعض المفسّرين أنّه قد يتغيّر من الغيب بقدرة اللّه تعالى لفظ عليم بلفظ عزيز من غير أن يكتبه كاتب. ۶
(فإنّ اللّه عليمٌ حكيم)؛ يعني هذا كلام حقّ، ولكن ليس هنا موضع ذكره، فاكتب هنا: أنّ اللّه عزيزٌ حكيم؛ لأنّه هو المنزل هنا.
(وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إنّي لأقول من نفسي) أي من عندي (مثل ما يجيءُ به).
الضمير المستتر لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والبارز للموصول، فما يغيّر عليَّ هذا الأخبار على ما قلنا في شرح قوله صلى الله عليه و آله : «دعها» يكون افتراء منه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وقيل: يمكن أن يكون إشارة إلى ما جرى على لسانه، ونزل الوحي مطابقا كما مرّ في قوله تعالى: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَــلِقِينَ» . ۷
وأمّا على ما قيل من أنّ معناه: دعها بحالها، إلى آخره، فلا إشكال.
(فأنزل اللّه ـ تبارك وتعالى ـ فيه) أي في ابن أبي سرح (الذي أنزل).
الظاهر أنّ الموصول إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى...» الآية.

1.تفسير مجمع البيان، ج ۴، ص ۱۱۱ و ۱۱۲.

2.. المؤمنون (۴۰): ۱۲ ـ ۱۴.

3.تفسير مجمع البيان، ج ۴، ص ۱۱۲.

4.ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۱۱.

5.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۵۹ (هدر).

6.نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۶۵ بعنوان «قيل».

7.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۱۱.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
98

متن الحديث الثاني والأربعين والمائتين

۰.أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِبا أَوْ قالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ»۱ ؟
قَالَ : «نَزَلَتْ فِي ابْنِ أَبِي سَرْحٍ الَّذِي كَانَ عُثْمَانُ اسْتَعْمَلَهُ عَلى مِصْرَ ، وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ هَدَرَ ۲ دَمَهُ ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِذَا أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»۳ كَتَبَ : إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : دَعْهَا ، فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ يَقُولُ لِلْمُنَافِقِينَ : إِنِّي لَأَقُولُ مِنْ نَفْسِي مِثْلَ مَا يَجِيءُ بِهِ ، فَمَا يُغَيِّرُ عَلَيَّ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ فِيهِ الَّذِي أَنْزَلَ» .

1.الأنعام (۶): ۹۳.

2.في بعض نسخ الكافي: «نذر».

3.البقرة (۲): ۲۲۰؛ الأنفال (۸): ۱۰.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 240695
صفحه از 607
پرینت  ارسال به