فقه الكليني دراسة و تحليل - صفحه 48

ومن أجل ذلك فقد يقال ـ وكما هو المتبادر إلى الأذهان ـ باستبعاد هذا الجانب في حياته ، وبالمآل تحجيم دوره في إطار دائرة الحديث فحسب ، كما هو المشهور والمعروف عنه . وعليه فيكون الحديث عن فقاهته وفقهه تحميلاً وتمحّلاً في البحث لا يستمدّ أدلّته من مبرّرات حقيقية وواقعية .
إلّا أنّ ثمّة وجهة نظر اُخرى ترى أنّ ما كتبه الكليني في باب الفروع من الكافي قد توفّر على خبرة وثروة علمية وفقهية لا يستهان بها إذا ما قورنت بخبرات الآخرين من فقهاء عصره وأبناء طبقته ، من أضراب علي بن بابويه وولده الصدوق ، وممّا يعزّز ذلك تعاطي الفقهاء آراءه ونقلهم أقواله في بحوثهم ، ممّا يعكس اهتمامهم بفقهه وآرائه ، حتّى أنّهم يستظهرون من روايته للرواية أو عنونته للأبواب الإفتاء بذلك .
وفي هذا المقال نسعى إلى تسليط الضوء على هذا البعد الهامّ من حياة هذا الفقيه ، ودراسة وتحليل ما وصل إلينا من فقهه وآرائه ، لعلّها تكون أساسا لدراسة أعمق وأشمل للباحثين في هذا المجال .
ويحسن بنا قبل ذلك أن نلمّ إلمامة موجزة بحياته وسيرته استكمالاً للفائدة المرجوّة .

ثقة الإسلام الكليني في سطور

ينتسب شيخنا المترجم أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني إلى اُسرة علمية عريقة من قرية « كُلين » من قرى الريّ ، التي احتضنته وليدا في أواسط القرن الثالث الهجري معاصرا للغيبة الصغرى وسفرائها . ۱
وقد غادر قريته ـ التي يحتمل أنها ساهمت في إعداده العلمي ـ إلى الريّ أوّل محطة له للأخذ من مشايخها ، ثمّ انطلق مواصلاً رحلته إلى الكوفة وسوراء ودمشق ، وأخيرا ألقى رحله ببغداد مستقرّا بها ، مفيدا ومستفيدا من علمائها ، إلى أن وافته المنيّة بها سنة ( 328 أو 329 ه ) ، وقبره فيها معروف يُزار .

1.قال السيد الخوئي قدس سره في معجم رجال الحديث : ج ۱۸ ص ۵۴ : « أقول : إنّ تأريخ تولّد محمّد بن يعقوب مجهول ، فلعلّ تولّده كان بعد وفاة العسكري عليه السلام » وقد كانت وفاته عليه السلام سنة ( ۲۶۰ق) . وهو المناسب أيضا لوفاة ثقة الإسلام سنة ( ۳۲۹ق) ، فيكون له من العمر نحو سبعين عاما .

صفحه از 86