فقه الكليني دراسة و تحليل - صفحه 52

الذي كان هو عبارة عن مجموعة من الاُصول والكتب المتفرّقة والمبثوثة بأيدي الرواة وحفظة الحديث من غير تنقية أو تبويب أو استيعاب ، فقام الكليني ـ وقد كان خبيرا بالأخبار بصيرا بها ناقدا لها ـ بعملية جمع وضبط وفرز وانتقاء للأحاديث من تلك الاُصول ، ثمّ إفراغها ضمن تقسيم صناعي جامع ومبتكر لم يتّفق مثله لكتاب مثله .
وتظهر لنا جسامة الجهد الذي بذله الكليني في هذا السبيل إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار المدّة الزمنية التي استغرقها تأليف هذا الكتاب ، حيث دامت عشرين عاما ، هذا مع ما كان عليه الكليني من خبرة وكفاءة عالية تؤهّله للقيام به في أقصر فرصة ممكنة ، سيما مع رواج الحديث وكتبه واُصوله آنذاك ؛ إذ كان الحديث يشكّل الطابع العامّ واللغة المدرسية لأغلب العلوم ، فليس أمام الباحث ثمّة صعوبة في تحصيل تلك المادّة ، خصوصا مع ملاحظة بيئة الكليني ببغداد ـ أو الري ـ وما كانت تمثّله من مركزية وريادة على الصعيد العلمي ، ممّا يعني توفّر جميع العوامل والدواعي لإنجاز أيّ عمل علمي من هذا القبيل .
إنّ ملاحظة جميع هذه العوامل والأوضاع منضمّة بعضها إلى بعض ، تقودنا إلى القول بأنّ ما قام به الشيخ الكليني لم يكن عملاً فنّيا أو تجميعيا صرفا ـ بالرغم من كونه مهمّة أعظم بها من مهمّة ، سيما وهي الاُولى من نوعها ـ بل ينمّ ذلك ويكشف عن خبرة وجهد علمي كبيرين كانا الأساس في جمع أحاديث هذه الموسوعة وتبويبها وتنسيقها وانتقائها من الاُصول المعتمدة بإخراج الصحيح منها ، كما أوضحه في مقدّمة الكتاب . وبعبارة ثانية : إنّ هذا العمل يعتبر عملاً اجتهاديا وخبرويا في فهم الأخبار وفقهها .
ومن هنا فقد احتلّ هذا المصدر المهمّ الصدارة والتقدّم منذ اليوم الأوّل لتأليفه ، فقد ارتشف من معينه علماء هذه الاُمّة من فقهائها وأئمة الحديث فيها من الطبقة الاُولى المعاصرة لزمن تأليفه ، مذعنين بقدرة مؤلفه وبراعته في هذا الفن ، مقدّرين له جهده في هذا الكتاب .
قال الرجالي القديم الشيخ النجاشي : « كنت أتردّد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي ـ وهو مسجد نفطويه النحوي ـ أقرأ القرآن على صاحب المسجد وجماعة من أصحابنا يقرؤون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب ،

صفحه از 86