فقه الكليني دراسة و تحليل - صفحه 81

يقل عزّوجلّ : « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ » ، لكان إجماعهم على ما عنى اللّه به من القول يوجب المال كلّه للولد ؛ الذكر والاُنثى فيه سواء ، فلمّا أن قال : « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ » ، كان هذا تفصيل المال ، وتمييز الذكر من الاُنثى في القسمة ، وتفضيل الذكر على الاُنثى ، فصار المال كلّه مقسوما بين الولد « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ » .
ثمّ قال : « فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ » 1 ، فلولا أنّه عزّوجلّ أراد بهذا القول ما يتّصل بهذا ، كان قد قسّم بعض المال وترك بعضا مهملاً ، ولكنّه ـ جلّ وعزّ ـ أراد بهذا أن يوصل الكلام إلى منتهى قسمة الميراث كلّه ، فقال : « وَإِن كَانَتْ وَ حِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَ حِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ » 2 ، فصار المال كلّه مقسوما بين البنات وبين الأبوين ، فكان ما يفضل من المال مع الابنة الواحدة ردّا عليهم على قدر سهامهم التي قسمها اللّه ـ جلّ وعزّ ـ وكان حكمهم فيما بقي من المال كحكم ما قسّمه اللّه عزّوجلّ على نحو ما قسمه ؛ لأنّهم كلّهم اُولو الأرحام ، وهم أقرب الأقربين ، وصارت القسمة للبنات النصف والثلثان مع الأبوين فقط ، وإذا لم يكن أبوان فالمال كلّه للولد بغير سهام إلّا ما فرض اللّه عزّوجلّ للأزواج ، على ما بيّناه في أوّل الكلام وقلنا : إنّ اللّه عزّوجلّ إنّما جعل المال كلّه للولد على ظاهر الكتاب ، ثمّ أدخل عليهم الأبوين والزوجين .
وقد تكلّم الناس في أمر الابنتين : من أين جُعل لهما الثلثان واللّه ـ جلّ وعزّ ـ إنّما جعل الثلثين لما فوق اثنتين ؟ فقال قوم : بإجماع ، وقال قوم : قياسا ؛ كما إن كان للواحدة النصف كان ذلك دليلاً على أنّ لما فوق الواحدة الثلثين ، وقال قوم بالتقليد والرواية .
ولم يُصِب واحد منهم الوجه في ذلك ، فقلنا : إنّ اللّه عزّوجلّ جعل حظّ الاُنثيين الثلثين بقوله : « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ » ؛ وذلك أنّه إذا ترك الرجل بنتا وابنا فللذكر مثل حظّ الاُنثيين ، وهو الثلثان ، فحظّ الاُنثيين الثلثان ، واكتفى بهذا البيان أن يكون ذكر الاُنثيين بالثلثين ، وهذا بيان قد جهله كلّهم ، والحمد للّه كثيرا .
ثمّ جعل الميراث كلّه للأبوين إذا لم يكن له ولد فقال : « فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ

1.المصدر السابق .

صفحه از 86