منهجية الكليني في « الكافي » - صفحه 121

واستقرّ به المقام في بغداد ، وهي يومذاك مركز العالم الإسلامي وحاضرته العلمية والسياسية ، نشأت بها المدارس ودور العلم ، وازدهرت مجالس النظر والجدل ، وكانت مثابة العلماء وملتقى المتكلّمين ومنتدى الأُدباء . والعصر الذهبي للعلوم كان قرن الكليني «فقد رغب الأحداث في التأدّب والشيوخ في التأديب ، وانبعثت القرائح ونفقت أسواق الفضل وكانت كاسدة». ۱
لقد نشطت الحركة العلمية واتّسعت المعارف والعلوم العقلية والنقلية ، فعلى النقيض من الحياة السياسية المضطربة الهوجاء ، كانت الحياة الفكرية والعهد العلمي في أخصب فترة وأزهى مرحلة ، حينها انبرى الكليني في الشروع بتدوين كافيه ، وقد كان أوّل فقيه إمامي محدّث يصل إلينا كتابه في الحديث ـ كموسوعة ـ بعد عصر النصّ ، أي الغيبة الصغرى عند الإمامية ؛ لأنّ الفقهاء كانوا يستمدّون نصوصهم التشريعية من الطبقة التالية لعصر الأئمّة.
إنّ الكافي من بين آثاره ـ وكلّها مفقودة ـ الأشهر ذيوعا والأكثر صيتا والأوثق نقلاً، حتّى لقد عُرف به ، فقيل : كتاب الكليني «صنّف كتابه الكبير المعروف بالكليني ، يُسمّى الكافي». ۲

المبحث الثالث: تأثير «الكافي» فيما بعده

لولا تصدّي هؤلاء المحدّثين والشيوخ من أقطاب مدرسة آل البيت ومنهم شيخنا الكليني إلى جمع وتدوين الأحاديث الشريفة ، لاندرست ثروتنا التشريعية أو معظمها ، ولآل أمرها إلى الضياع.
وبلغ الأمر من عنايتهم بهذه الموسوعة الحديثية ـ أي الفقهاء والعلماء والمحدّثون ـ أن تعاهدوها بالاستنساخ والطبع والترجمة والشروحات وتعليقات الحواشي عليها ، ومن اهتمامهم الفائق بها أن درسوا بعضا من أُمورها وأبوابها وكذلك اختصروا بعض أحاديثها، فما أعهد المصنّفات الحديثية في مختلف الأدوار بعده إلّا

1.تجارب الأُمم لابن مسكويه : ج ۶ ص ۴۰۸ .

2.رجال النجاشي : ص ۲۶۶ .

صفحه از 125