المحدّث الكليني و أثره الخالد - صفحه 89

معاقل الشيعة ومراكز تجمّعهم.
ولكنّ الأفكار السائدة في العالم الإسلامي آنذاك ، كانت تميل إلى التجسيم والتشبيه وإثبات الجهة للّه سبحانه والقول بالجبر والقدر ، إلى غير ذلك ممّا طفحت به كتب المحدّثين في ذلك العصر ، وذلك بعد أن مات المأمون والمعتصم اللذان كانا يؤيّدان التيّار العقلي ويحاربان تيّار المحدّثين الذين طغى عليهم الجمود ، ولمّا جاء المتوكّل ومن خَلَفه ، انقلبت سياسة البيت العبّاسي إلى تقريب أهل الحديث المتشدّدين وإقصاء أهل العقل والكلام ، وبهذا راجت الروايات المدسوسة من قبل مسلمة أهل الكتاب حول ما ذكرنا من أفكار وآراء .
كما ظهرت طوائف مختلفة ، فمن محدّث يحمل لواء التشبيه والتجسيم ويضمّ في جرابه كلّ غثّ وسمين لا يبالي عمّن أخذ وما أخذ ، إلى خارجي يكفّر جميع طوائف المسلمين بمل ء فمه ، ويحبّ الشيخين ويبغض الصهرين ، إلى دُخلاء في الإسلام يتظاهرون به صونا لدمائهم ويوجّهون سهام غدرهم إلى ظهور المسلمين ، إلى غير ذلك من الطوائف والأفكار المنحرفة الّتي نشأت بعد إقصاء العقل والعقليّين .
ويكفيك أنّ محمّد بن أبي إسحاق بن حُزَيمة (ت 311 ه ) ، كان من ثمرات ذلك العصر ، وقد ألّف كتابا أسماه التوحيد في إثبات صفات ربّ العالمين، وهو في الحقيقة كتاب شرك ، وقد قال عنه الرازي :
إنّه كان رجلاً مضطرب الكلام ، قليل الفهم ، ناقص العقل ۱ .
وليس ابن حُزَيمة هو الوحيد في نشر التجسيم والتشبيه ، فقد سبقه في ذلك خُشَيش بن أصرَم (ت 525 ه ) مصنّف كتاب الاستقامة ، والّذي عرّفه الذهبي بأنّه : «يردّ فيه على أهل البدع» ۲ . ويريد الذهبي ب «أهل البدع» أهل التنزيه الذين لا يُثبتون

1.مفاتيح الغيب : ج ۲۷ ص ۱۵۰ .

2.تذكرة الحفّاظ : ج ۲ ص ۱۵۱ . سير أعلام النبلاء : ج ۲ ص ۲۵۰ .

صفحه از 99