دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني - صفحه 213

دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني

الشيخ صفاء الدين الخزرجي

عُرفت شخصية ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ( المتوفّى 329 ه ) بالحديث أكثر من اشتهارها بالفقه ، وذلك من خلال مصنّفه الكبير الكافي الذي وضعه في الأُصول والفروع ، حيث طغت سمعة هذا المصنَّف على سائر الجوانب العلمية الأُخرى في شخصية مؤلّفه ، فقد عكف ـ رضوان اللّه عليه ـ مدّة ليست بالقصيرة على جمع أحاديثه من الأُصول المعتمدة مقدّما من خلال هذا الجهد الاستثنائي الذي دام عشرين عاما عطاءً علميا كبيرا .
ويمكن أن يشار أيضا إلى سبب آخر في ضمور البعد الفقهي في عطائه العلمي ، ألا وهو عدم تصنيفه في هذا المجال ؛ حيث لم يترك أثرا فقهيا في عداد مؤلّفاته الستّة التي كتبها .
ومن أجل ذلك فقد يقال ـ وكما هو المتبادر إلى الأذهان ـ باستبعاد هذا الجانب في حياته ، وبالمآل تحجيم دوره في إطار دائرة الحديث فحسب ، كما هو المشهور والمعروف عنه . وعليه فيكون الحديث عن فقاهته وفقهه تحميلاً وتمحّلاً في البحث لا يستمدّ أدلّته من مبرّرات حقيقية وواقعية .
إلّا أنّ ثمّة وجهة نظر أُخرى ترى أنّ ما كتبه الكليني في باب الفروع من الكافي، قد توفّر على خبرة وثروة علمية وفقهية لا يستهان بها إذا ما قورنت بخبرات الآخرين من فقهاء عصره وأبناء طبقته ، من أضراب علي بن بابويه وولده الصدوق ، وممّا يعزّز ذلك تعاطي الفقهاء آراءه ونقلهم أقواله في بحوثهم ، ممّا يعكس اهتمامهم بفقهه وآرائه ، حتّى أنّهم يستظهرون من روايته للرواية أو عنونته للأبواب الإفتاء بذلك .
ووفقاً لهذه الرؤية، فإنّه يمكن اعتبار فروع الكافي أثراً فقهياً روائياً على غرار سائر مصادر الفقه الروائي الأُخرى ، كالهداية والمقنع ، وغيرها ، بل أكثرها استيعاباً وتفصيلاً ، وكفى مع حفظ الأسانيد .
ومن هنا يمكن النظر إلى فروع الكافي والتعامل معه من زاويتين : فقهية وروائية في آنٍ واحد ، ولا شكّ فإنّ لهذه الرؤية أثرها الكبير في تغيير نمطية التعامل مع هذا الأثر وإصلاح النظرة الآحادية القائمة على البعد الواحد في شخصية مؤلّفه ، كما أنّه لو قدّر لمؤلّفاته الأُخرى أن تبقى، لتجلّت أبعاد أُخرى لنا عن شخصيته وعطائه العلمي ، حيث كتب في الرجال «كتاب الرجال» ، وفي الكلام «الردّ على القرامطة» ، وفي الشعر والأدب «ما قيل في الأئمّة من الشعر» ، وكلّ ذلك يعدّ عوالم مجهولة في شخصية هذا الرجل .
ويأتي على رأس تلك الأبعاد المجهولة البعد الفقهي . وفي هذا المقال نسعى إلى تسليط الضوء على هذا البعد الهامّ من حياة هذا الفقيه ، ودراسة وتحليل ما وصل إلينا من فقهه وآرائه ، لعلّها تكون أساسا لدراسة أعمق وأشمل للباحثين في هذا المجال .

صفحه از 257