دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني - صفحه 218

1 ـ بيان الفتوى على ضوء الأخبار والاستدلال عليها

قد ذكر الفقهاء أنّ الغسلة الثانية في الوضوء سنّة ، بل ادُّعي الإجماع عليه . وذهب الشيخ الكليني قدس سرهإلى أنّه لا يؤجر على الثانية ، مستدلّاً على ذلك بقول أبي عبد اللّه عليه السلام : « ما كان وضوء علي عليه السلام إلّا مرّة مرّة » ، ولمّا كان هذا الحديث يحكي فعله عليه السلام ، فهو من سنخ أحاديث الوضوءات البيانية التي قد يرد عليها أنّه عليه السلام قد اكتفى بالواجب من الغسل ، فإنّ الشيخ الكليني ـ وكأنّه يجيب على هذا الإشكال المقدّر ـ ذكر أنّ الإمام ـ صلوات اللّه عليه ـ كان إذا ورد عليه أمران كلاهما للّه طاعة، أخذ بأحوطهما وأشدّهما على بدنه ۱ .
ثمّ إنّه تعرّض بعد ذلك للروايات المعارضة الدالّة على أنّ « الوضوء مرّتان » ، جامعا بينهما بأنّ ذلك لمن لم يقنعه مرّة واستزاد .
فالملاحظ في هذه الممارسة الاجتهادية أنّه لم يقتصر فيها على إيراد الخبر إيرادا كما هو دأب المحدّثين ، بل علّل ذلك مبيّنا الوجه في هذه العلّة ، وهو الحديث المروي عنه عليه السلام من أنّه كان إذا ورد عليه أمران كلاهما للّه طاعة أخذ بأحوطهما ، وهي التفاتة ظريفة في المقام ،وبذلك فإنّه يجيب عن إشكال مطويّ ومقدّر . كما أنّه لم يقف عند أحد طرفي الأدلّة في المسألة ، بل أورد الروايات المعارضة لها ، ثمّ صار بصدد التوجيه والجمع بينهما .

1.فروع الكافي : ج ۳ ص ۳۶ .

صفحه از 257