دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني - صفحه 219

2 ـ الجمع بين الأخبار المتعارضة

أ . المشهور بين الفقهاء ـ بل هو موضع وفاق بينهم ۱ ـ أنّ الجدّ وكذا الجدّة ، لأبٍ كانا أم لأُمٍّ ، لا يرثان مع وجود الأبوين ، فهما بمنزلة الأخ مع وجود الأبوين لا يرثان . وقد عقد الشيخ الكليني بابا في إرث الجدّ أورد فيه ما يدلّ على أنّ الجدّ يقاسم الإخوة فهو بمنزلتهم ، ثمّ أورد في باب إرث ابن الأخ والجدّ أخبارا تدلّ على أنّ لهما السدس طعمة ، معقبا عليها بأنّ « هذا قد روي ، وهي أخبار صحيحة » .
ثمّ قال في مقام علاج التعارض ورفعه : « إلّا أنّ إجماع العصابة أنّ منزلة الجدّ منزلة الأخ من الأب يرث ميراث الأخ ، وإذا كانت منزلة الجدّ منزلة الأخ من الأب يرث ما يرث الأخ ، يجوز أن تكون هذه أخبارا خاصّة ، إلّا أنّه أخبرني بعض أصحابنا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أطعم الجدّ السدس مع الأب ولم يعطه مع الولد ، وليس هذا أيضا ممّا يوافق إجماع العصابة أنّ منزلة الأخ والجدّ بمنزلة واحدة » ۲ .
فإنّ الملاحِظ لهذا النصّ يجده أنّه قد انطوى على عملية اجتهادية توازن بين كفّتي الروايات المتعارضة في مسألة إرث الجدّ لتحسم التنافي بينهما لصالح الأخبار التي قام الإجماع على مدلولها ، بمعنى عدم توريثه ، ومن هنا فإنّ ما ورد في إطعامهما السدس محمول على الندب ، قال في الجواهر : « المحكي عن الكليني رحمه الله بعد اعترافه بأنّ إجماع العصابة على تنزيل الجدّ منزلة الأخ المعلوم عدم مشاركته الأبوين ، يقضي بإرادة الندب له » ۳ .
وكذا في مسألة وجود أب وجدّ ولم يكن له ولد ، حيث ورد بعض الأخبار بإطعامه السدس في هذه الصورة خاصّة ، فإنّه صرّح أيضا بأن « ليس هذا أيضا ممّا يوافق إجماع العصابة أنّ منزلة الأخ والجدّ بمنزلة واحدة » ۴ .
ب . المشهور المعروف بين الإمامية أنّ من شرائط القصد في السفر ألّا يكون سفره أكثر من حضره ، كالمكاري والملّاح وغيرهما ، بل ادُّعي عليه الإجماع ، إلّا ما عن ظاهر العمّاني من وجوب القصد على كلّ مسافر .
ويدلّ على فتوى المشهور الروايات المستفيضة ۵ ، منها : ما رواه الكليني بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال :
أربعة قد يجب عليهم التمام ، في السفر كانوا أو الحضر : المكاري ، والكريّ ، والراعي ، والاشتقان ؛ لأنّه عملهم۶.
وروى أيضا في نفس الباب عن أحدهما عليهماالسلام ، قال :
ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكاري والجمّال۷.
إلّا أنّه أخرج رواية أُخرى معارضة دلّت على أنّ « المكاري إذا جدّ به السير فليقصّر »۸.
وقد جمع بينهما : بأنّ ذلك إذا جدّ به السير فجعل المنزلين منزلاً واحدا . واختار وجه الجمع هذا شيخ الطائفة في التهذيب ، وتابعه عليه فقال :
الوجه في هذين الخبرين ما ذكره محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله، قال : هذا محمول على من يجعل المنزلين منزلاً ، فيقصّر في الطريق ويتمّ في المنزل ۹ .
قال في الجواهر معلّقا على هذا الوجه من الجمع :
ولعلّه لأنّه مقتضى الجمع بين الإطلاق والتقييد ، ولما يلاقونه في الفرض من شدّة الجهد والتعب المناسبين لشرعية القصر ، ولانصراف تلك الإطلاقات إلى السير المتعارف ۱۰ .
وقد عمل بذلك أيضا من المتأخّرين جماعة ، منهم صاحب المدارك والمنتقى ، والمحدّث الكاشاني والفاضل الهندي ، وصاحب الذخيرة والحدائق والمستند ۱۱ .
ج . روى في وقت التلبية للإحرام روايات عدّة ، ثمّ جمع بينها :
الكليني عن الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال :
إذا صلّيت في مسجد الشجرة، فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ، ثمّ قـم فامشِ حتّى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك فلبّه۱۲.
وروى أيضا في نفس الباب عن عبد اللّه بن سنان، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام :
هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة ؟ فقال : نعم ، إنّما لبّى النبيّ صلى الله عليه و آله على البيداء ؛ لأنّ الناس لم يكونوا يعرفون التلبية ، فأحبّ أن يعلّمهم كيف التلبية۱۳.
وأيضا عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال :
قلت له : إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة ، أيلبّي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة ؟ قال : أيّ ذلك شاء صنع۱۴.
قال الكليني ـ في مقام الجمع بينها بالتخيير ، وشاهد الجمع عنده هو خبر إسحاق بن عمّار الآنف ـ :
وهذا عندي من الأمر المتوسّع ، إلّا أنّ الفضل فيه أن يظهر التلبية حيث أظهر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمعلى طرف البيداء ، ولا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلّا وقد أظهر التلبية ، وأوّل البيداء أوّل ميل يلقاك عن يسار الطريق ۱۵ .
وتبعه على هذا الوجه من الجمع الشيخ في الاستبصار ۱۶ ، والعلّامة المجلسي في شرحه ۱۷ .

1.انظر : جواهر الكلام : ج ۳۹ ص ۱۳۹ .

2.فروع الكافي : ج ۷ ص ۱۱۶ .

3.جواهر الكلام : ج ۳۹ ص ۱۴۰ .

4.فروع الكافي : ج ۷ ص ۱۱۶ .

5.جواهر الكلام : ج ۱۴ ص ۲۶۸ ـ ۲۶۹ .

6.فروع الكافي : ج ۳ ص ۴۳۵ .

7.المصدر السابق .

8.المصدر السابق .

9.التهذيب : ج ۳ ص ۲۱۵ ح ۵۲۸ .

10.جواهر الكلام : ج ۱۴ ص ۲۷۲ .

11.انظر : مستند الشيعة : ج ۸ ص ۲۸۸ .

12.فروع الكافي : ج ۴ ص ۳۲۹ .

13.المصدر السابق .

14.المصدر السابق .

15.المصدر السابق .

16.انظر : الاستبصار : ج ۲ ص ۲۲۶ ، ط ـ دار الأضواء .

17.انظر : فروع الكافي : ج ۴ ص ۳۲۹ .

صفحه از 257