دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني - صفحه 222

3 ـ عنايته بالأقوال

من المسائل المهمّة في البحث الفقهي الوقوف على أقوال الآخرين وآرائهم، سيّما في المسائل الخلافية الحسّاسة ؛ وذلك لتحصيل الوفاق والخلاف فيها . ومن هنا نجد الكليني رحمه الله قد اهتمّ بهذا الجانب في بعض المسائل الخلافية الهامّة في باب الإرث ، فتارةً نجده يعنى بنقل أقوال فقهائنا السابقين كيونس والفضل وزرارة ، وربما يستغرق نقله عنهم صفحات من كتابه، وقد ينحصر النقل عنهم به أحيانا ، وتارةً ينقل آراء جمهور المسلمين ومواضع خلافهم أو وفاقهم معنا .
ولا شكّ فإنّ هذه العناية بنقل الأقوال والاهتمام بها، يؤكّد البعد الفقهي لفروع الكافي ؛ لأنّ شأن المحدّث الاقتصار على نقل الرواية، ولا شأن له بالأقوال والآراء .
وفيما يلي نماذج من عنايته بنقل الأقوال، من الخاصّة أوّلاً ثمّ العامّة :
قال قدس سره :
قال زرارة : الناس والعامّة في أحكامهم وفرائضهم يقولون قولاً قد أجمعوا عليه ، وهو الحجّة عليهم ، يقولون في رجلٍ توفّي وترك ابنته أو ابنتيه، وترك أخاه لأبيه وأُمّه، أو أُخته لأبيه وأُمّه، أو أُخته لأبيه، أو أخاه لأبيه، إنّهم يعطون الابنة النصف، أو ابنتيه الثلثين ، ويعطون بقيّة المال أخاه لأبيه وأُمّه، أو أُخته لأبيه وأُمّه ، دون عَصَبة بني عمّه وبني أخيه ، ولا يعطون الإخوة للأُمّ شيئاً ... فقلت [الراوي] لزرارة : تقول هذا برأيك ؟ فقال : أنا أقول هذا برأيي ؟ ! إنّي إذاً لفاجر ، أشهد أنّه الحقّ من اللّه ومن رسوله صلى الله عليه و آله وسلم ۱ .
قال قدس سره :
قال الفضل بن شاذان : فإن ترك جدّته أُمّ أبيه وعمّته وخالته ، فالمال للجدّة . وجعل يونس المال بينهنّ . قال الفضل : غلط ها هنا [أي يونس] في موضعين : أحدهما أنّه جعل للخالة والعمّة مع الجدّة أُمّ الأب نصيباً . والثاني أنّه سوّى بين الجدّة والعمّة ، والعمّة إنّما تتقرّب بالجدّة ۲ .
وقال الفضل أيضاً :
فإن ترك ابن ابن ابنٍ وجدّاً أبا الأب ؟ قال يونس : المال كلّه للجدّ . قال الفضل : غلط في ذلك ؛ لأنّ الجدّ لا يرث مع الولد ولا مع ولد الولد ، فالمال كلّه لابن الابن وإن سفل ؛ لأنّه ولد، والجدّ إنّما هو كالأخ ، ولا خلاف أنّ ابن ابن الابن أولى بالميراث من الأخ ۳ .
وأمّا ما نقله عن الجمهور وعنايته بمواضع إجماع المسلمين والخلاف معهم ، فننقل هنا بعض النماذج منه أيضاً :
ميراث الولد
قال قدس سره :
الإجماع [ قائم على ] أنّ وُلد الولد يقومون مقام الولد ، وكذلك وُلد الإخوة إذا لم يكن ولد الصلب ولا إخوة ، وهذا من أمر الولد مجمع عليه ، ولا أعلم بين الأُمّة في ذلك اختلافا ۴ .
ميراث البنتين
قال قدس سره :
وقد تكلّم الناس في أمر الابنتين ، من أين جُعل لهما الثلثان ، واللّه ـ جلّ وعزّ ـ إنّما جعل الثلثين لما فوق اثنتين ؟ فقال قوم : بإجماع ، وقال قوم : قياسا ؛ كما إن كان للواحدة النصف كان ذلك دليلاً على أنّ لما فوق الواحدة الثلثين ، وقال قوم بالتقليد والرواية . ولم يُصب واحد منهم الوجه في ذلك . . . ۵ .
ميراث الأزواج والإخوة والأخوات
قال قدس سره :
ثمّ ذكر [ عزّوجلّ] فريضة الأزواج فأدخلهم على الولد وعلى الأبوين وعلى جميع أهل الفرائض على قدر ما سمّى لهم . وليس في فريضتهم اختلاف ولا تنازع ، فاختصرنا الكلام في ذلك .
ثمّ ذكر فريضة الإخوة والأخوات من قبل الأُمّ فقال : «وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَــلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ» يعني لأُمّ ، «فَلِكُلِّ وَ حِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذَ لِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى الثُّلُثِ » ، وهذا فيه خلاف بين الأُمّة ، وكلّ هذا «مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ»۶ ، فالإخوة من الأُمّ لهم نصيبهم المُسمّى لهم مع الإخوة والأخوات من الأب والأُمّ ، والإخوة والأخوات من الأُمّ لا يُزادون على الثلث ولا ينقصون من السدس ، والذكر والأُنثى فيه سواء ، وهذا كلّه مجمع عليه ، إلّا أن لا يحضر أحد غيرهم ۷ .
إنّ الملاحظ لهذه النماذج يلمس من خلالها سعة إطلاع المؤلّف ، وعنايته بموارد الخلاف والوفاق في فقهنا وفقه الجمهور .

1.المصدر السابق : ج ۷ ص ۱۰۰ باب ميراث الأُخوة .

2.المصدر السابق : ص ۱۱۸ باب أخ وجدّ .

3.المصدر السابق : ص ۸۹ باب ميراث ولد الولد .

4.المصدر السابق : ج ۷ ص ۷۳ .

5.المصدر السابق : ص ۷۵ .

6.النساء : ۱۲ .

7.فروع الكافي : ج ۷ ص ۷۶ .

صفحه از 257